للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: أن لوم موسى لآدم عليه السلام، كان على المعصية لكونها سبب المصيبة، لا لكونها معصية -على ما جاء في القول الثاني- فإنه يمتنع غاية الامتناع أن يلومه موسى عليه السلام لأجل حق الله تعالى في المعصية، لأن آدم عليه السلام قد تاب منها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فلا يجوز لومه.

قال ابن تيمية: "لا يجوز لوم التائب باتفاق الناس" (١).

فاحتج آدم بالقدر على المعصية لأنه قد تاب منها، وهذا هو ظاهر رواية مسلم، فإنه قال لموسى: (فهل وجدت فيها -أي في التوراة-: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}؟ قال: نعم، قال: أفتلومني على أن عملت عملًا كتبه الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة).

وعلى هذا يكون الاحتجاج بالقدر على المعصية بعد التوبة منها والإنابة لا محذور فيه، وقد أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله تعالى، مستشهدًا بهذه الرواية، كما تقدم (٢).

قال الشيخ ابن عثيمين: "الاحتجاج بالقدر على المصائب جائز، وكذلك الاحتجاج بالقدر على المعصية بعد التوبة جائز، وأما الاحتجاج بالقدر على المعصية تبريرًا لموقف الإنسان واستمرارًا فيها فغير جائز" (٣).

والحاصل أن آدم عليه السلام لا سبيل إلى لومه شرعًا لأجل التوبة، ولا قدرًا لأجل القضاء والقدر (٤).

[مناقشة الأقوال المرجوحة]

وأما الأقوال الأخرى في توجيه الحديث فإنها وإن كان مقصود أصحابها صحيحًا، وهو أن الحديث لا يؤخذ منه جواز الاحتجاج بالقدر


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٧٩).
(٢) انظر: ص (٣٤٢ - ٣٤٣) من هذا البحث.
(٣) مجموع فتاوى ابن عثيمين (٢/ ١٠٧).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ١٠٩، ٣٢١).

<<  <   >  >>