للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على المعاصي، إلا أنهم فهموا من الحديث أن اللوم من موسى ولاحتجاج بالقدر من آدم كلاهما متوجه إلى الذنب، ولذا أوَّلوا الحديث تأويلات ضعيفة لا يدل عليها معناه، وإليك بيان ذلك:

أما القول الثالث (١): وهو أن الحجة توجهت لآدم لأن موسى لامه على المعصية بعد أن تاب منها، والتائب من الذنب لا يجوز لومه، فقد رده ابن تيمية وغيره، لأن موسى عليه السلام أجل قدرًا من أن يلوم أحدًا على ذنب قد تاب منه، وغفر الله له (٢).

وذكر ابن القيم أن هذا القول وإن كان أقرب إلا أنه لا يصح لثلاثة أوجه:

"أحدها: أن آدم لم يذكر ذلك الوجه، ولا جعله حجة لموسى، ولم يقل: أتلومني على ذنب قد تبت منه.

الثاني: أن موسى أعرف بالله سبحانه وبأمره ودينه من أن يلوم على ذنب قد أخبره سبحانه أنه قد تاب على فاعله، واجتباه بعده وهداه، فإن هذا لا يجوز لآحاد المؤمنين أن يفعله، فضلًا عن كليم الرحمن.

الثالث: أن هذا يستلزم إلغاء ما علق به النبي -صلى الله عليه وسلم- وجه الحجة، واعتبار ما ألغاه، فلا يلتفت إليه" (٣).

وأما القول الرابع: وهو أن الحجة كانت لآدم لأن موسى لامه في غير دار التكليف، فمردود من وجهين:

"أحدهما: أن آدم لم يقل له: لمتني في غير دار التكليف، وإنما قال: (أتلومني على أمر قدر عليَّ قبل أن أخلق)، فلم يتعرض للدار وإنما احتج في القدر السابق.


(١) تقدم أن القول الأول والثاني هما اللذان يتعيَّن حمل الحديث عليهما.
(٢) انظر: درء التعارض (٨/ ٤١٩)، ومجموع الفتاوى (٨/ ١٠٨، ١٧٨، ٣٠٥، ٣٢١، ٤٥٤).
(٣) شفاء العليل (١/ ٤٩).

<<  <   >  >>