للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الترجيح]

الذي يترجح -والله تعالى أعلم بالصواب- أن معنى: (وأنا الدهر)، و (فإن الله هو الدهر) أي: مدبر الدهر ومصرفه ومقلبه -على ما جاء في القول الأول- لأنه فسره بذلك في نفس الحديث، فقال: (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، وليس المراد به كون الدهر اسمًا من أسماء الله تعالى، وإنما خرج الحديث مخرج الرد على أهل الجاهلية في نسبة ما يصيبهم من مصائب وغيرها إلى الدهر، وعلى هذا القول جمهور العلماء كما تقدم.

قال ابن كثير: "قال الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر): كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: يا خيبة الدهر، فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله تعالى، فكأنهم إنما سبوا الله عزَّ وجلَّ، لأنه فاعل تلك في الحقيقة، فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار، لأن الله تعالى هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال، وهذا أحسن ما قيل في تفسيره وهو المراد، والله أعلم، وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذًا من هذا الحديث" (١).

ومما يدل علي صحة هذا القول ما يلي:

١ - أنه جاء مفسرًا بذلك في نفس الحديث كما تقدم.

قال ابن تيمية: "قوله في الحديث: (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٢٣١).

<<  <   >  >>