للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبذريته، وهي الإخراج من الجنة والإهباط إلى الأرض، وروايات الحديث في الصحيحين -كما تقدم- تشهد لهذا المعنى وتدل عليه، ففيها: (أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة)، وفيها: (أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة)، وفيها: (أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة)، وفيها: (أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض)، فهذه الروايات والألفاظ كلها تنطق بأن موسى عليه السلام إنما لام آدم عليه السلام على المصيبة التي وقعت بعد ذنبه، لا على ذنبه.

وذكرُ موسى عليه السلام للمعصية، كما في بعض الطرق (١) للتنبيه على سبب المصيبة.

فاحتج آدم عليه السلام بالقدر على المصيبة، كما هو ظاهر أكثر الروايات، فإنه قال: (أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني)؟ وهذا هو الذي ذهب إليه ابن تيمية وغيره، كما في القول الأول.

قال ابن أبي العز: "فإن قيل: فما تقولون في احتجاج آدم على موسى عليه السلام بالقدر؟ ... قيل: نتلقاه بالقبول والسمع والطاعة، لصحته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا نتلقاه بالرد والتكذيب لراويه، كما فعلت القدرية، ولا بالتأويلات الباردة، بل الصحيح أن آدم لم يحتج بالقضاء والقدر على الذنب، وهو كان أعلم بربه وذنبه، بل آحاد بنيه من المؤمنين لا يحتج بالقدر، فإنه باطل، وموسى عليه السلام كان أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم آدم عليه السلام على ذنب قد تاب منه، وتاب الله عليه، واجتباه وهداه، وإنما وقع اللوم على المصيبة التي أخرجت أولاده من الجنة، فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، لا على الخطيئة، فإن القدر يحتج به عند المصائب، لا عند المعائب" (٢).


(١) انظر: المسند (١٥/ ٤٧) ح (٩٠٩٥)، و (١٦/ ٥٤) ح (٩٩٨٩)، والقدر للفريابي (٩٣) ح (١١٢)، والشريعة للآجري (٢/ ٧٧٦)، والرد على الجهمية لابن منده (٧٠).
(٢) شرح العقيدة الطحاوية (١٣٥ - ١٣٦).

<<  <   >  >>