للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن القيم عن هذا المسلك للجبرية: "هذا المسلك أبطل مسلك سلك في هذا الحديث، وهو شر من مسلك القدرية في رده، وهم إنما ردوه إبطالًا لهذا القول وردًا على قائليه، وأصابوا في ردهم عليهم وإبطال قولهم، وأخطأوا في رد حديث رسول الله -صلي الله عليه وسلم-" (١).

إذا تبيَّن هذا، وهو أن الحديث لا يجوز رده أو تكذيبه، كما لا يجوز الاحتجاج به على فعل المعاصي، فإن الذي يتعين المصير إليه هو أن القدر يُؤمَن به ولا يحتج به، فالعبد مأمور أن يرجع إليه عند المصائب، ويستغفر الله عند الذنوب والمعائب، كما قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر: ٥٥]، "وقد أرشد النبي -صلي الله عليه وسلم- إلى الاحتجاج بالقدر في الموضع الذي ينفع العبد الاحتجاج به -وذلك عند المصيبة- فروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) (٢) " (٣).

قال ابن قدامة: "ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن، ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل، قال الله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥] " (٤).

وأما بخصوص هذا الحديث، فإنه محتمل لأحد أمرين لا ثالث لهما:

الأول: أن لوم موسى لآدم -عليهم السلام- كِان لأجل المصيبة التي حلت به


(١) شفاء العليل (١/ ٤٩).
(٢) صحيح مسلم (١٦/ ٤٥٥) ح (٢٦٦٤).
(٣) شفاء العليل (١/ ٥٨) بتصرف يسير.
(٤) لمعة الاعتقاد بشرح العثيمين (٩٣).

<<  <   >  >>