للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جانٍ، ثم احتج عليه بالقدر، فإنه لا يقبل منه هذه الحجة، وهذا تناقض يدل على فساد هذا القول، وأن المحتج بالقدر متبع لهواه، لأن القدر إن كان حجة للعاصي فهو أيضًا حجة للجاني، وإلا فليس حجة لهذا ولا لهذا، وهذا هو الصواب (١).

قال ابن تيمية: "شر الخلق من يحتج بالقدر لنفسه ولا يراه حجة لغيره، يستند إليه في الذنوب والمعائب، ولا يطمئن إليه في المصائب، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به، وبإزاء هؤلاء خير الخلق الذين يصبرون على المصائب ويستغفرون من المعائب، كما قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر: ٥٥]، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: ٢٢، ٢٣]، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: ١١]، قال بعض السلف (٢): هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ...

وقد ذكر الله تعالى عن آدم -عليه السلام- أنه لما فعل ما فعل قال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣]، وعن إبليس أنه قال: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: ٣٩]، فمن تاب أشبه أباه آدم ومن أصرَّ واحتج بالقدر أشبه إبليس" (٣).


(١) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٨٥٨)، ومنهاج السنة (٣/ ٥٥ - ٥٧)، ومجموع الفتاوى (٨/ ١٧٩)، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (٩٧)، وشفاء العليل (١/ ٥٥).
(٢) هو علقمة بن قيس. [انظر: جامع البيان (١٢/ ١١٦)، ومجموع الفتاوى (٨/ ١٧٨)، وتفسير ابن كثير (٤/ ٥٨٧)].
(٣) مجموع الفتاوى (٨/ ١٠٧).

<<  <   >  >>