للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو محمد: وهذا تأويل باطل لا يمكن، لأنه كان يكون معناه حينئذ: لئن ضيق الله علي ليضيقن علي، وأيضًا فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذرَّ رماده معنى، ولا شك في أنه إنما أمر بذلك ليفلت من عذاب الله تعالى" (١).

وأما القول الرابع: وهو أن هذا الرجل قد غلب عليه الخوف والجزع، فكان لا يعقل ما يقول، وأخطأ من شدة الخوف كما أخطأ صاحب الناقة من شدة الفرح، فقول ضعيف من وجهين (٢):

الأول: أنه لو كان غير مدرك ولا عاقل لما يقول، لفهم أولاده ذلك، ولما نفذوا هذه الوصية.

والثاني: أن تشبيه حال هذا الرجل بحال صاحب الناقة الذي أخطأ من شدة الفرح، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، تشبيه بعيد، لأن صاحب الناقة إنما سبق لسانه بالخطأ لشدة الفرح، واللسان يسبق في مثل هذه الأحوال، وأما الآخر فإنه أمر أهله بأوامر مرتبة تدل على اعتقاده أن ذلك ينجيه، فهو يعي ما يقول.

وأما القول الخامس: وهو أن هذا الرجل قد كفر بمقالته هذه، لكنه على شريعة فيها جواز المغفرة للكافر، فقول لا يلتفت إليه، لأنه لا خلاف بين أهل القبلة في عدم المغفرة لمن مات كافرًا (٣)، ثم من أين لنا العلم أن هذا كان في شريعتهم، إلا محض التخرص والتوهم؟ ! ولهذا قال الحافظ ابن حجر: "وأبعد الأقوال: قول من قال: إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر" (٤).


(١) الفصل (٢/ ٢٧٢).
(٢) انظر: نواقض الإيمان الاعتقادية للدكتور محمد الوهيبي (١/ ٢٣٠)، وسعة رحمة رب العالمين، إعداد الغباشي (٣٨ - ٣٩).
(٣) انظر: التمهيد (١٨/ ٤٠).
(٤) فتح الباري (٦/ ٥٢٣)، وانظر: مشكلات الأحاديث النبوية (١٤٢).

<<  <   >  >>