للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضرر إلا بإذنه، فاستدلال مردود، لأن المراد بالإذن هنا الإذن الكوني القدري، فالسحر لا يتحقق ضرره إلا بإرادة الله الكونية، فلا يمكن أن يستقل هو بالفعل، إذ لا يستقل بذلك إلا الرب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وليس هذا خاصًا بالسحر، بل كل ما يجري في هذا الكون فإنه مربوط بإرادة الله الكونية، فلا يقع في ملكه إلا ما يريد، وإلا كان خارجًا عن حكمه وملكه، فالاستثناء في الآية ليس فيه ما يدل على نفي حقيقة السحر وأثره، بل فيه ما يدل على عكس ذلك، وهو إثبات حقيقة السحر وأثره، كما تقدم.

قال الرازي: "الاستثناء يدل على حصول الآثار بسببه" (١).

وقال الشوكاني: "الحق أنه لا تنافي بين قوله: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}، وبين قوله: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيرًا في نفسه، ولكنه لا يؤثر ضررًا إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه" (٢).

وأما قولهم: إن السحر لا يحصل ضرره إلا بإيصال أشياء ضارة بطبعها، ومباشَرَةِ بدن المسحور بها، فقول باطل، فإن "قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)} دليل على أن هذا النفث يضر المسحور في حال غيبته عنه، ولو كان الضرر لا يحصل إلا بمباشرة البدن ظاهرًا، كما يقوله هؤلاء، لم يكن للنفث ولا للنفاثات شر يُستعاذ منه" (٣).

قال القرافي: "السحر له حقيقة، وقد يموت المسحور، أو يتغير طبعه وعادته، وإن لم يباشره" (٤).

٢ - وأما استدلالهم -على أن السحر مجرد تخييل لا حقيقة له- بقوله


(١) التفسير الكبير (٣/ ٢١٣)، وانظر: تفسير ابن كثير (١/ ٢١٦)، والسحر بين الحقيقة والخيال (٦١ - ٦٢).
(٢) فتح القدير (١/ ١٢١).
(٣) بدائع الفوائد (٢/ ٣٦٥ - ٣٦٦).
(٤) الفروق (٤/ ١٤٩).

<<  <   >  >>