تعالى:{فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}[طه: ٦٦]، وغيرها من الآيات، وكذا ما وقع للنبي -صلى الله عليه وسلم- حين سُحر، من كونه يُخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، فالجواب عنه أن يُقال: غاية ما في هذه الأدلة أن السحر منه ما هو تخييل، وهذا حق لا خلاف فيه، إذ التخييل من جملة السحر، لكن ليس فيها أن السحر لا يكون إلا تخييلًا، ثم إن هذا التخييل الناتج عن السحر دليل على حقيقة السحر وأثره، إذ لو لم يكن له تأثير لم يحصل التخييل، فالتخييل نتيجةٌ لتأثير السحر.
قال الشنقيطي: التحقيق الذي عليه جماهير العلماء أن السحر منه ما هو حقيقة لا مطلق تخييل، ومنه ما هو تخييل لا حقيقة له (١).
وبناءً على هذا، يكون أمر الخلاف مع من أقر بوقوع التخييل للنبي -صلى الله عليه وسلم- -نتيجة السحر- لفظيًا، إذ الجميع متفقون على أن ما وقع للنبي -صلى الله عليه وسلم- من السحر، إنما هو مجرد تخييل، كما هو نص الحديث، ويبقى الخلاف معه فيما سوى التخييل مما هو من أعراض السحر وآثاره.
وقد تكلم ابن القيم حول هذا الاستدلال بكلام نفيس، أسوقه بطوله لأهميته:
قال -رَحِمَهُ الله-: "إذا جاز على الساحر أن يسحر جميع أعين الناظرين مع كثرتهم، حتى يروا الشيء بخلاف ما هو به، مع أن هذا تغيُّر في إحساسهم، فما الذي يحيل تأثيره في تغيير بعض أعراضهم وقواهم وطباعهم، وما الفرق بين التغيير الواقع في الرؤية، والتغيير في صفة أخرى من صفات النفس والبدن، فإذا غيَّر إحساسه حتى صار يرى الساكن متحركًا، والمتصل منفصلًا، والميت حيًا، فما المحيل لأن يُغير صفات نفسه، حتى يجعل المحبوب إليه بغيضًا، والبغيض محبوبًا، وغير ذلك من
(١) انظر: أضواء البيان (٤/ ٤٧٤، ٤٩٤)، والجامع لأحكام القرآن (١/ ٤٦)، وتحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد للعجيلي (٢/ ٢٦٩).