للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التأثيرات، وقد قال تعالى عن سحرة فرعون إنهم: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: ١١٦]، فبين سبحانه أن أعينهم سُحرت، وذلك: إما أن يكون لتغيير حصل في المرئي، وهو الحبال والعصي، مثل أن يكون السحرة استعانت بأرواح حرَّكتها وهي الشياطين، فظنوا أنها تحركت بأنفسها، وهذا كما إذا جَرَّ مَن لا يراه: حصيرًا أو بساطًا، فترى الحصير والبساط ينجرُّ ولا ترى الجارَّ له، مع أنه هو الذي يجره، فهكذا حال الحبال والعصي التبستها الشياطين فقلَّبتها كتقلُّب الحية، فظن الرائي أنها تقلبت بأنفسها، والشياطين هم الذين يقلبونها.

وإما أن يكون التغيير حدث في الرائي، حتى رأى الحبال والعصي تتحرك وهي ساكنة في أنفسها، ولا ريب أن الساحر يفعل هذا وهذا، فتارة يتصرف في نفس الرائي وإحساسه حتى يرى الشيء بخلاف ما هو به، وتارة يتصرف في المرئي باستعانته بالأرواح الشيطانية حتى يتصرف فيها" (١).

٣ - وأما قولهم: إن إثبات أثر السحر وحقيقته يتعذر معه التمييز بينه وبين المعجزة، والساحر والنبي، فالجواب عنه: أن هذا غير مسلم، فلا يمكن أن يلتبس أمر السحر بأمر النبوة على أحد، إذ الفرق بين النبي والساحر أعظم من الفرق بين الليل والنهار، فالنبي يأتيه ملك كريم من عند الله، يخبره عن الله، والساحر إنما معه شيطان يأمره ويخبره، فلا الخبر كالخبر، ولا الأمر كالأمر، ولا مُخبِر هذا كمُخبِر هذا، كما أنه ليس هذا مثل هذا (٢).

قال ابن تيمية: "الفرقان بينهما أعظم، كالفرق بين الملائكة والشياطين، وأهل الجنة وأهل النار، وخيار الناس وشرارهم، وهذا أعظم الفروق بين الحق والباطل.


(١) بدائع الفوائد (٢/ ٣٦٦).
(٢) انظر: النبوات لابن تيمية (٢/ ٧٠٤)، و (١/ ١٥٢)، ومما ينبغي التأكيد عليه أن موت النبي -صلى الله عليه وسلم- قاطع لكل التباس، لأن النبوة قد ختمت به.

<<  <   >  >>