للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكفار قالوا عن الأنبياء: إنهم مجانين وسحرة، فكما يعلم بضرورة العقل وجود أعظم الفرق بينهم وبين المجانين، وأنهم أعقل الناس وأبعدهم عن الجنون، فكذلك يعلم بضرورة العقل أعظم الفرق بينهم وبين السحرة، وأنهم أفضل الناس وأبعدهم عن السحر" (١).

ومن الفروق الواضحة بين آيات الأنبياء وبين ما يأتي به السحرة: أن جنس آيات الأنبياء خارجة عن مقدور الخلق من الإنس والجن وسائر الحيوانات، كما في نبع الماء من بين أصابع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكون الطعام القليل يصير كثيرًا، وغير ذلك.

أما ما يأتي به السحرة فهو لا يخرج عن مقدور الإنس والجن، كالطيران في الهواء، فإنه مقدور للجن، وكذا كون الساحر يقتل بسحره ويُمرض، ويفرق بين المرء وزوجه، كل ذلك مقدور للإنس والجن.

قال ابن تيمية: "الساحر قد يقدر على أن يقتل إنسانًا بالسحر، أو يمرضه، أو يفسد عقله أو حسه وحركته وكلامه، بحيث لا يجامع، أو لا يمشي، أو لا يتكلم، ونحو ذلك، وهذا كله مما يقدر الإنسان على مثله، لكن بطرق أخرى، والجن يطيرون في الهواء وعلى الماء، ويحملون الأجسام الثقيلة، كما قال العفريت لسليمان: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل: ٣٩]، وهذا الجنس يكون لمن هو دون الإنس والجن من الحيوان، كالطيور والحيتان، والإنس يقدر على جنسه، ولهذا لم يكن هذا الجنس آية لنبي، لوجوده لغير الأنبياء، فكثير من الناس تحمله الجن، بل شياطين الجن، وتطير به في الهواء، وتذهب به إلى مكان بعيد، كما كان العفريت يحمل عرش بلقيس من اليمن إلى مكان بعيد" (٢).

ومن الفروق أيضًا: أن معجزات الأنبياء لا يمكن لأحد أن يُعارضها


(١) النبوات (٢/ ١٠٤٩)، وانظر: (٢/ ٦٦٥).
(٢) النبوات (١/ ٥٢٣ - ٥٢٤)، وانظر: (١/ ١٤٤، ١٩٢)، و (٢/ ٩٩٢، ٩٩٥).

<<  <   >  >>