للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمثلها، أو يبطلها، كما قال تعالى عن القرآن: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء: ٨٨]، ولما طلب فرعون معارضة ما جاء به موسى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- -بعد ادعائه أنه ساحر- وجمع السحرة لهذا الأمر، أبطل الله كيده، وأبان عجزه، وعجز سحرته عن ذلك، بل إن السحرة لعلمهم بالسحر، تيقنوا أن ما جاء به موسى لا يمكن أن يكون سحرًا، فآمنوا إيمانًا جازمًا.

وهذا بخلاف خوارق السحرة، فإنه يمكن أن تُعارض بمثلها، وبأقوى منها (١).

ولشيخ الإسلام ابن تيمية، كلام نفيس في هذا الباب، ذكر فيه الفروق بين الأنبياء وما يأتون به من الآيات، وبين السحرة والكهان، وما يأتون به من الخوارق وغيرها، فقال -رَحِمَهُ الله-:

"الأول -أي: من الفروق-: أن النبي صادق فيما يخبر به عن الكتب، لا يكذب قط، ومَن خالفهم من السحرة والكهان لا بُدَّ أن يكذب، كما قال: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)} [الشعراء: ٢٢١، ٢٢٢].

الثاني: من جهة ما يأمر به هذا ويفعله، ومن جهة ما يأمر به هذا ويفعله، فإن الأنبياء لا يأمرون إلا بالعدل، وطلب الآخرة، وعبادة الله وحده، وأعمالهم: البر والتقوى، ومخالفوهم: يأمرون بالشرك والظلم، ويعظمون الدنيا، وفي أعمالهم الإثم والعدوان.

الثالث: أن السحر والكهانة ونحوهما أمور معتادة، معروفة لأصحابها، ليست خارقة لعادتهم، وآيات الأنبياء لا تكون إلا لهم ولمن اتبعهم (٢).


(١) انظر: النبوات (١/ ١٦٩، ١٩٣، ١٩٥) و (٢/ ١٠٨١ - ١٠٨٢)، والجامع لأحكام القرآن (٢/ ٤٧).
(٢) أي لا تكون معتادة إلا لهم ولمن اتبعهم، قال ابن تيمية في موضع آخر: "وآيات =

<<  <   >  >>