للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله عن يونس عليه الصلاة والسلام: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: ٨٧].

فقالوا: إن المعنى في هذه الآيات كلها صائر إلى التضييق، وعليه يحمل معنى هذا الحديث (١).

قال ابن جماعة: "قوله: (لئن قدر الله علي) ليس هو من القدرة، بل هو من التقدير الذي هو التضييق، ومنه قوله تعالى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي: يضيق.

فمعناه: لئن ضيق الله عليَّ عفوه.، ومنه قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: نضيق، لأن النبي لا يجهل صفة من صفات الله تعالى، وهي قدرة الله تعالى عليه" (٢).

القول الثالث: أن معنى قوله: (لئن قدر علي ربي) أي: قدَّر، من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة في شيء.

ويكون المعنى على هذا: "لئن كان قد سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين" (٣).

وإلى هذا ذهب أبو يعلى وغيره (٤) وجوَّزه ابن عبد البر (٥).

واستشهدوا بقوله تعالى في قصة يونس: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: ٨٧]، فقالوا: إن معنى الآية: فظن أن لن نقَّدر عليه من العقوبة ما قَدَرنا، فقوله في الآية: {نَقْدِرَ} راجع إلى معنى التقدير لا إلى معنى القدرة.


(١) انظر: شرح مشكل الآثار (تحفة ١/ ١٥٩).
(٢) إيضاح الدليل (٢٠٠).
(٣) التمهيد (١٨/ ٤٣).
(٤) انظر: مشكل الحديث لابن فورك (٣١٩ - ٣٢٠)، والأسماء والصفات للبيهقي (٢/ ٤٩٣)، وكشف المشكل لابن الجوزي (٣/ ١٥٧)، وشرح النووي على مسلم (١٧/ ٧٥ - ٧٦)، وإيضاح الدليل لابن جماعة (٢٠٠)، وطرح التثريب (٢/ ٢٦٧).
(٥) انظر: التمهيد (١٨/ ٤٢ - ٤٣).

<<  <   >  >>