للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالنهي عن التحديث بالحديث -في بعض الأوقات أو الأماكن- شيء، وإنكاره شيء آخر، ولذلك جزم الذهبي رحمه الله تعالى بأن إنكار مالك لهذا الحديث لأنه لم يثبت عنده (١)، ويؤيد ذلك أنه قدح في بعض رواته، والله أعلم.

وقد طعن الألباني في صحة هذه الرواية عن الإمام مالك رحمه الله، لضعف مقدام بن داود شيخ العقيلي، والذي ساق العقيلي هذه القصة من طريقه، فقال رحمه الله: "مقدام هذا ... مُتَكَلَّم فيه، بل قال النسائي (٢) فيه: (ليس بثقة)، فلا يجوز أن ينسب بروايته إلى الإمام مالك أنه أنكر حديثًا صحيحًا" (٣).

ولكن هذه القصة لم ينفرد بها مقدام، فقد ساقها ابن عدي رحمه الله من طريق آخر عن أبي زيد بن أبي الغمر، عن ابن القاسم، عن الإمام مالك (٤) رحمه الله، فهذه المتابعة من ابن عدي يعتضد بها طريق العقيلي.

وذكرها -أيضًا- حافظ المغرب ابن عبد البر عن أُصْبُغ بن الفرج، وعيسى بن مثرود، عن ابن القاسم (٥)، ولم يتعقبها بتضعيف، بل اعتذر له بأنه كره ذلك خشية الخوض بالتشبيه -كما تقدم- مع أن ابن عبد البر يعتبر


(١) انظر: السير (٨/ ١٠٤)، وسيأتي نقل كلامه هذا قريبًا.
(٢) هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام، ناقد الحديث، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان الخرساني النسائي صاحب السنن، كان من بحور العلم مع الفهم والإتقان وحسن التأليف، ومن مؤلفاته: عمل اليوم والليلة، والضعفاء، توفي رحمه الله سنة ثلاث ومائة (١٠٣). [انظر: وفيات الأعيان (١/ ٩٧)، والسير (١٤/ ١٢٥)، وتذكرة الحفاظ (٢/ ٦٩٨)، وتقريب التهذيب (١/ ٣٦)، وشذرات الذهب (٢/ ٢٣٩)].
(٣) سلسلة الأحاديث الضعيفة (٣/ ٣٢٠)، وطعن في صحتها أيضًا الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابه: عقيدة أهل الإيمان (٩).
(٤) انظر: سير أعلام النبلاء (٨/ ١٠٣).
(٥) انظر: التمهيد (٧/ ١٥٠).

<<  <   >  >>