للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لتقرب عبده إليه؛ لأن الثواب أبدًا من جنس العمل، كما قال في أوله: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم) ... وإذا كان كذلك فظاهر الخطاب أن أحد التقديرين من جنس الآخر، وكلاهما مذكور بلفظ المساحة ...

ومن المعلوم أنه ليس ظاهر الخطاب أن العبد يتقرب إلى الله بحركة بدنه، شبرًا وذراعًا ومشيًا وهرولة، ولكن قد يقال: عدم ظهور هذا للقرينة الحسية العقلية، وهو أن العبد يعلم أن تقربه ليس على هذا الوجه" (١).

وقال أيضًا: "فكلما تقرب العبد باختياره قدر شبر زاده الرب قربًا إليه، حتى يكون كالمتقرب بذراع" (٢).

واستدل هؤلاء بما يلي:

١ - دلالة السياق، فإنه قال: (ومن أتاني يمشي ... )، ومن المعلوم أن المتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ لا يتقرب إليه بالمشي فقط، بل يكون تارة بالمشي كالسير إلى المساجد، ومشاعر الحج، والجهاد في سبيل الله ونحوها، وتارة يكون بغير المشي كالصيام، والركوع والسجود ونحوها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء)، رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- (٣).

قالوا: وإذا كان ذلك كذلك صار المراد بالحديث: مجازاة الله تعالى العبد على عمله، وكان هذا هو ظاهر الحديث، بدلالة هذه القرينة المفهومة من السياق، وليس تفسيره بهذا خروجًا بالحديث عن ظاهره، بل هو ظاهره (٤).


(١) بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (١/ ١٥٠ - ١٥٢).
(٢) مجموع الفتاوى (٥/ ٥١٠)، وانظر: (٥/ ٢٣٨)، و (٣٥/ ٣٧١)، والفتاوى الكبرى (٢/ ٣٩٧)، وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (١/ ٢٦٨، ٢٧١).
(٣) صحيح مسلم (٤/ ٤٤٥) ح (٤٨٢).
(٤) انظر: بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (١/ ١٥٢)، والقواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للعثيمين (٧١).

<<  <   >  >>