للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقول: بهذا لا ينافي رواية: (من حفظها)؛ لأن الحفظ ليس مجرد عدها وسردها عن ظهر قلب، بل يتعدى ذلك ليشمل فهمها والعمل بمقتضاها، ومن ذلك قوله تعالى: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [التوبة: ١١٢]، فإن معناه: المؤدُّون فرائض الله، والقائمون على طاعته (١).

قال ابن بطال (٢) رحمه الله تعالى: "الإحصاء يقع بالقول ويقع بالعمل:

فالذي بالعمل: أن لله أسماءً يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها، فيجب الإقرار بها والخضوع عندها، وله أسماء يستحب الاقتداء بها في معانيها، كالرحيم والكريم والعفو ونحوها، فيستحب للعبد أن يتحلى بمعانيها ليؤدي حق العمل بها، فبهذا يحصل الإحصاء العملي.

وأما الإحصاء القولي: فيحصل بجمعها وحفظها والسؤال بها، ولو شارك المؤمنَ غيرُه في العد والحفظ، فإن المؤمن يمتاز عنه بالإيمان والعمل بها" (٣).

وقال ابن عطية (٤): "معنى أحصاها: عدها وحفظها، وتضمن ذلك


(١) انظر: تفسير الطبري (جامع البيان) (٦/ ٤٨٦)، وتفسير ابن كثير (٢/ ٦٠٩).
(٢) هو العلامة أبو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي ثم البَلَنْسي، كان من أهل العلم والمعرفة والعناية بالحديث، توفي -رحمه الله- سنة (٤٤٩ هـ) له من المصنفات: شرح صحيح البخاري، ينقل منه ابن حجر في الفتح كثيرًا، وقد طبع مؤخرًا في عشر مجلدات. [انظر: السير (١٨/ ٤٧)، والعبر (٢/ ٢٩٤)، وشذرات الذهب (٣/ ٢٨٣).
(٣) نقل ذلك عنه ابن حجر في الفتح (١٣/ ٣٧٨).
(٤) هو الإمام العلامة شيخ المفسرين أبو محمد عبد الحق بن الحافظ أبي بكر غالب بن عطية المحاربي الغرناطي، كان إمامًا في الفقه والتفسير وفي العربية ذكيًا فطنًا مدركًا، ولي قضاء المرية وتوفي -رحمه الله- سنة (٥٤١ هـ)، وقيل سنة (٥٤٢ هـ) له مؤلفات أشهرها: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. [انظر: السير (١٩/ ٥٨٧)، ونفح الطيب للمقري التلمساني (١/ ٦٧٩)، وطبقات المفسرين للسيوطي (٥٠)، ومعجم المؤلفين (٢/ ٥٩)، والأعلام (٣/ ٢٨٢)].

<<  <   >  >>