للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فـ (من) في الحديث لابتداء الغاية، وليست للتبعيض، فالرحم من الله: خلقًا وإيجادًا، لا صفة ونعتًا.

وهذا الحديث نظير قوله تعالى في شأن المسيح -عليه السلام-: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: ١٧١] أي: من الأرواح التي خلقها الله (١).

وهكذا قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣] (٢).

قال ابن كثير: " {وَرُوحٌ مِنْهُ}، كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} أي: من خلقه ومن عنده، وليست (من) للتبعيض كما تقوله النصارى -عليهم لعائن الله المتتابعة- بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى ... وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ} [الأعراف: ٧٣]، وفي قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: ٢٦] " (٣).

وقال ابن عثيمين رحمه الله تعالى، في معنى: {وَرُوحٌ مِنْهُ}: " (من) للابتداء، وليست للتبعيض، فهي كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} فلا يمكن أن نقول: إن الشمس والقمر والأنهار جزء من الله، وهذا لم يقل به أحد، فقوله: {مِنْهُ} أي: روح صادرة من الله -عز وجل-، وليست جزءًا من الله كما تزعم النصارى" (٤).

وأما الأمر الآخر وهو: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن).

فإن مذهب السلف -كما قد مرَّ كثيرًا- هو إجراء نصوص الصفات


(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي (١/ ٢٢٥).
(٢) انظر: دفع إيهام التشبيه عن أحاديث الصفات للسمهري (٢٤٣).
(٣) تفسير ابن كثير (١/ ٨٩٩)، وانظر: فتح الباري (٦/ ٤٧٥)، وفتح المجيد (٧٣).
(٤) القول المفيد (١/ ٧٠).

<<  <   >  >>