للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة، وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان، وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء، هذا مع أنها كانت ممن يستحق اللوم على الذنب، ولهذا لهزها النبي -صلي الله عليه وسلم- وقال: (أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله)، وهذا الأصل مبسوط في غير هذا الموضع، فقد تبين أن هذا القول كفر ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها" (١).

وأما قول الرجل: (فإني لم أعمل خيرًا قط)، وعند مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (لم يعمل حسنة قط)، فإنه وإن كان ظاهره أنه لم يكن موحدًا، لأن التوحيد أعظم الخير، لكن ليس هذا مراده، وإنما مراده أنه كان مسرفًا على نفسه بالمعاصي، مقصرًا في طاعة الله تعالى، يدل على


= هو محتمل، كما أوردته، ولذا ذهب النووي إلى أن القائل: (نعم) هو عائشة -رضي الله عنها-، فقال في شرحه على مسلم (٧/ ٤٩): "قوله: (قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم) هكذا هو في الأصول، وهو صحيح، وكأنها لما قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، صدقت نفسها فقالت: نعم".
ولكن جاء هذا اللفظ - (نعم) - صريحًا من قول النبي -صلي الله عليه وسلم- عند النسائي (٢/ ٤٦٦) ح (٢١٧٥)، و (٨/ ١٥٨ - ١٥٩) ح (٨٨٦١، ٨٨٦٢)، والإمام أحمد (٤٣/ ٤٣) ح (٢٥٨٥٥)، وهذا يعضد ما ذهب إليه ابن تيمية -رحمه الله-.
(١) مجموع الفتاوى (١١/ ٤١١ - ٤١٣).
وجعل بعضهم قول الحواريين لعيسى -عليه السلام-: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} من هذا الباب، فهم شاكون في قدرة الله، لأنهم قالوا بعد ذلك: {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} [انظر: تفسير الطبري (١٣٠ - ١٣١)، ومجموع الفتاوى (٢٠/ ٣٦)]. وَرُدَّ هذا بأن الحواريين لم يكونوا شاكين في أن الله يستطيع ذلك، وإنما أرادوا بقولهم: {هَلْ يَسْتَطِيعُ} أي: هل يفعل، وهذا معروف مألوف في كلام العرب، كما يقول الرجل للرجل: هل تقدر أن تفعل كذا؟ أي: هل تفعله؟ والله أعلم [انظر: تفسير الطبري (٥/ ١٢٩ - ١٣٠)، ومجموع الفتاوى (٨/ ٣٧٤)، وتفسير السعدي (٢/ ٣٦٣ - ٣٦٤)].

<<  <   >  >>