للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثالث: أن التوفيق للعمل من رحمة الله تعالى، فلولا رحمته لما صلح عمل ولا حصلت طاعة، وعلى هذا فدخول الجنة بالأعمال لا يكون إلا مع رحمة الله تعالى، فالحديث مفسر للآية، وإلى هذا ذهب القاضي عياض وغيره (١).

قال رحمه الله: "لا تعارض بين هذا وبين قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وشبهه من الآيات، لأن الحديث يفسر ما أجمل ها هنا، وأن معنى ذلك: مع رحمة الله وبرحمة الله، إذ من رحمة الله توفيقه للعمل، وهدايته للطاعات، وأنه لم يستحقها بعمله، إذ الكل بفضل من الله تعالى" (٢).

القول الرابع: ما ذهب إليه ابن حجر رحمه الله حيث قال: "ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر، وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولًا، وإذا كان كذلك فأمر القبول (٣) إلى الله تعالى، وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه، وعلى هذا، فمعنى قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: تعملونه من العمل المقبول، ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة أو للإلصاق أو المقابلة، ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية" (٤).

الموقف الثاني: ما ذهبت إليه القدرية، وهو: أن الجنة عوض عن العمل وثمن له، فالعبادات شرعت أثمانًا لما يناله العباد من الثواب والنعيم، وذلك بمنزلة استيفاء الأجير أجره، وعلى هذا فدخول الجنة راجع إلى محض الأعمال، واستدلوا بما تقدم من الآيات وما في معناها كقوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: ٤٣]،


(١) انظر: شرح صحيح البخاري (١٠/ ١٨١)، وكشف المشكل (٣/ ١١٠)، والعواصم والقواصم (٧/ ٢٩٣)، وفتح الباري (١١/ ٢٩٦).
(٢) إكمال المعلم (٨/ ٣٥٣).
(٣) في الأصل (القول)، ولعل الصواب ما أثبته، بدلالة السياق، والله أعلم.
(٤) فتح الباري (١١/ ٢٩٦).

<<  <   >  >>