للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا ريب أن إنكارهم هذا غير صحيح، فشق الصدر ثابت ليلة الإسراء، وشريك لم يتفرد بهذا، بل وافقه قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة، والزهري عن أنس عن أبي ذر، كما تقدم.

قال ابن رجب: "وشق صدره -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج، وغسله من طست من ذهب من ماء زمزم، ومَلؤه إيمانًا وحكمة مما تطابقت عليه أحاديث المعراج" (١).

وعلى هذا يكون شق الصدر قد وقع مرتين: مرة في صغره، كما في حديث أنس المتقدم قريبًا، ومرة في ليلة الإسراء.

قال القرطبي عند حديث أنس المتقدم -في شق صدر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صغره-: "هذا الشق هو خلاف الشق المذكور في حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة، بدليل اختلاف الزمانين، والمكانين، والحالين، أما الزمانان: فالأول: في صغره، والثاني: في كبره، وأما المكانان: فالأول: كان ببعض جهات مكة، عند مرضعته، والثاني: عند البيت، وأما الحالان: فالأول نُزع من قلبه ما كان يضره وغسل، وهو إشارة إلى عصمته، والثاني: غُسل وملئ حكمة وإيمانًا، وهو إشارة إلى التهيؤ إلى مشاهدته ما شاء الله أن يشهده.

ولا يُلتفت إلى قول من قال: إن ذلك كان مرةً واحدةً في صغره، وأخذ يُغلِّط بعض الرواة الذين رووا أحد الخبرين، فإن الغلط به أليق، والوهم منه أقرب، فإن رواة الحديثين أئمةٌ مشاهير حفاظ، ولا إحالة في شيء مما ذكروه، ولا معارضة بينهما ولا تناقض، فصحَّ ما قلناه، وبهذا قال جماعة من العلماء" (٢).


(١) فتح الباري (٢/ ٣١٢).
(٢) المفهم (١/ ٣٨٢ - ٣٨٣)، وانظر: الحجة في بيان المحجة (١/ ٥٤١)، والروض الأنف (١/ ١٩٠)، وفتح الباري لابن رجب (٢/ ٣١٣)، وفتح الباري لابن حجر (١/ ٤٦٠)، و (٧/ ٢٠٤ - ٢٠٥).

<<  <   >  >>