للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموت، وإنما ظنه شخصًا معتديًا، وقد دخل داره بغير إذنه "وقد عُرف من خُلق موسى وخَلقه: الشدة، والأخذ بالأقوى، فقد دفع القبطي عن الإسرائيلي، فوكزه فقضى عليه، ولما رأى عبادة قومه للعجل في غيابه أخذ برأس أخيه ولحيته يجره إليه، وأخوه يسترحمه بقوله: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)} [طه: ٩٤]، وألقى الألواح حتى انكسرت" (١)، وهكذا هنا حينما لطم وجه ملك الموت لظنه شخصًا معتديًا، ولما عرف في المرة الثانية أنه ملك الموت، سلَّم الأمر لله، وطلب قربه من الأرض المقدسة.

ومما يؤيد هذا ما يلي:

١ - سياق الحديث، فإنه يدل على أن موسى عليه السلام حين لطم ملك الموت لم يكن يعرفه، وذلك أنه لما جاءه في المرة الثانية وعرف أنه رسول من عند الله لم يصنع به ما صنع في المرة الأولى، بل سلَّم الأمر واختار الموت، ولو كان قد عرفه في المرة الأولى لصنع به في المرة الثانية ما صنع في الأولى.

ولهذا يقول ابن حبان: "لو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت، لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به" (٢).

٢ - وأما كون الملائكة يتمثلون بصور مختلفة، مما أقدرهم الله عليها، كصور الرجال مثلًا، فيراهم بعض الأنبياء فلا يعرفونهم، بل يظنونهم من بني آدم: هذا مما ثبت في الكتاب والسنة، كما في قصة إبراهيم عليه السلام مع أضيافه، فإنه لم يعرفهم ابتداءً، حتى إنه أوجس منهم خيفة.

ومثله لوط عليه السلام، فإنه لو عرف الملائكة حين أتوه في صورة آدميين لما خاف عليهم من قومه.


(١) مقتبس من كتاب ظلمات أبي رية (٢٢٠ - ٢٢١)، وانظر: أعلام الحديث (١/ ٦٩٨).
(٢) صحيح ابن حبان (١٤/ ١١٦).

<<  <   >  >>