للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال القرطبي: "ظاهر هذا: أن الله تعالى يخرق العادة في تلك الأيام، فيبطئ بالشمس عن حركتها المعتادة في أول يوم من تلك الأيام، حتى يكون أوَّل يوم كمقدار سنة معتادة، ويبطئ بالشمس حتى يكون كمقدار شهر، والثالث حتى يكون كمقدار جمعة، وهذا ممكن، لا سيما وذلك الزمان تنخرق فيه العوائد كثيرًا" (١).

٣ - أن آخر الزمان يختل فيه نظام العالم، وتكثر فيه خوارق العادات: فالدابة تتكلم والشمس تطلع من مغربها ... وعلى هذا فما المانع من أن يكون من جملة ذلك أيضًا تقارب الزمان وقصره، والله تعالى مصرف الكون ومدبره، وهو سبحانه على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فكما انشأ الأيام والليالي على هذا النظام الذي نعرفه فهو قادر على تغيير ذلك، والله تعالى أعلم.

قال ابن العربي: "فإن قيل: في هذا الحديث إبطال للهيئة، وإفساد للطبيعة، وتغيير للتكوين الذي به قامت الخليقة ... قلنا: اتئدوا، فإنكم نظرتم إلى جريان اليوم في المخلوقات، وأغفلتم النظر في قدرة الخالق وما له من الحكم في المصنوعات، والإشكال الذي أشرتم إليه ينحل عنكم بالنظر في معاني:

الأول: قد تقرر عقلًا وشرعًا، وثبت دليلًا أن الباري تعالى خالق كل شيء، لا يشذ ذرة عن خلقه، فما كان من سبب أو مسبب، أو علة ومعلول فإنه فطره وأنشأه، وكون ذلك كله على هذا النظام المشاهد ليس بواجب لا يمكن سواه، بل هو على مجرى الإرادة وبعض العادة.

الثاني: أن عاقبة الشمس والقمر التكوير، وآخر السموات والأرض الانفطار والتدمير، وكما يعدمها خالقها فلا تسير، يجوز أن يبطئها عن سرعتها وينقص من حركاتها، فما كانت تقطعه في يوم تقطعه في جمعة، ثم


(١) المفهم (٧/ ٢٧٩).

<<  <   >  >>