للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا التشابه العام لا ينافي الإحكام العام، بل هو مصدق له، فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضًا، لا يناقض بعضه بعضًا، بخلاف الإحكام الخاص، فإنه ضد التشابه الخاص" (١).

وأما الإحكام الخاص والتشابه الخاص، فهو الوارد في آية آل عمران، وهي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧)} [آل عمران: ٧].

فالمحكم بمعناه الخاص هو: ما كان معناه واضحًا جليًا لا خفاء فيه.

وأما المتشابه بمعناه الخاص فهو: ما لم يتضح معناه، لدقته وغموضه، بحيث يُحتاج في فهم المراد منه إلى تفكر وتأمل، وعلى هذا فهو نسبي إضافي بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض (٢) (٣).


(١) التدمرية (١٠٤ - ١٠٥)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٤/ ١٠)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١/ ٥٢١).
(٢) انظر: التدمرية (١٠٥)، ومجموع الفتاوى (١٣/ ١٤٣ - ١٤٤)، و (١٧/ ٣٨٥)، والجامع لأحكام القرآن (٤/ ١٠ - ١١)، وتفسير القرآن العظيم (١/ ٥١٧)، والمفردات للراغب الأصفهاني (٢٥١، ٤٤٣)، وفتح الباري (٨/ ٢١٠ - ٢١١)، وفتح القدير (١/ ٣١٤)، وشرح الشيخ ابن عثيمين على لمعة الاعتقاد (٨٥)، وأنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن الكريم للدكتور مساعد الطيار (١٠٨).
(٣) وهذا بناءً على قراءة الوصل في آية آل عمران، وعدم الوقف على لفظ الجلالة: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} فيكون الراسخون في العلم ممن يعلم تأويله، وهو ما ذهب إليه بعض السلف وكثير من المفسرين والأصوليين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه يكون معنى التأويل في الآية: التفسير، ولا يَرِدُ على هذا القول أن الله ذم المتبعين للمتشابه، لأن الذم متوجه لمن اتبعه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، كما هو صريح الآية، أما من كان قصده الاسترشاد والاستفهام لإزالة ما عرض له من الشبهة، فهذا غير مذموم، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا عرض لأحدهم شبهة أو إشكال في آية أو حديث سأل عنه. =

<<  <   >  >>