للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محالة (١) منه أن ينشئ خلقًا يكون كخلقه تعالى شبيهًا ونظيرًا، والمصوِّر المضاهي بتصويره ذلك منطوٍ على تمثيله نفسه بخالقه، فلا خلق أعظم كفرًا منه، فهو بذلك أشدهم عذابًا وأعظم عقابًا، وأما من صور صورة غير مضاه ما خلق ربه، وإن كان بفعله مخطئًا، فغير داخل في معنى من ضاهى ربه بتصويره" (٢).

القول الثاني: أن هذا الوعيد فيمن صور الصور لكي تعبد، كحال صانعي الأصنام، فمن فعل هذا فهو كافر، والكفار أشد الناس عذابًا (٣).

اختار هذا الكرماني (٤) والقسطلاني (٥).

قال الكرماني: "فإن قلتَ: لِمَ كانوا أشد الناس عذابًا؟ قلتُ: لأنهم يصورون الأصنام للعبادة لها، فهم كفرة، والكفرة أشدهم عذابًا" (٦).

القول الثالث: أن الناس الذين أُضيف إليهم: (أشد) لا يراد بهم كل الناس، بل بعضهم، وهم المشاركون في ذلك المعنى المتوعَّد عليه بالعذاب، ففرعون أشد الناس الذين ادَّعوا الإلهية عذابًا، ومن صوَّر ذوات الأرواح للعبادة، أشد عذابًا ممن يصورها لا للعبادة.


(١) هكذا في الأصل، ولعلها: (محاولة)، والله أعلم.
(٢) شرح صحيح البخاري (٩/ ١٧٥)، وانظر: (٩/ ١٧٨).
(٣) انظر: إكمال المعلم (٦/ ٦٣٨)، وشرح النووي على مسلم (١٤/ ٣٣٨ - ٣٣٩).
(٤) هو شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشافعي، نزيل بغداد، طاف في البلاد لطلب العلم، ودخل مصر والشام والحجاز والعراق وبها استوطن، تصدى لنشر العلم في بغداد ثلاثين سنة، وكان علَّامة بالحديث، توفي -رحمه الله- سنة (٧٨٦ هـ) له مؤلفات من أشهرها: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري. [انظر: شذرات الذهب (٦/ ٢٩٤)، والأعلام (٧/ ١٥٣)، ومعجم المؤلفين (٣/ ٧٨٤)].
(٥) انظر: إرشاد الساري (١٢/ ٦٢٢).
(٦) الكواكب الدراري (٢١/ ١٣٤).

<<  <   >  >>