للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الاعتبار الثاني: فهو من جهة كيفيتها وحقيقة ما هي عليه: فهي بهذا الاعتبار غير معلومة لنا، لأنه مما استأثر الله بعلمه، كما هو الحال بالنسبة لوقت الساعة، وحقيقة ما في البرزخ والجنة والنار، وسائر أمور الغيب.

فصفات الله تعالى من هذا الوجه يصح أن يُقال عنها: إنها من المتشابه، والمراد به: التشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.

وعلى هذا، فصفات الله تعالى معلومة لنا من وجه، ومجهولة لنا من وجه آخر، فالمعنى معلوم، والكيف مجهول، يوضح ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ ) قالوا: نعم، قال: (فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم) (١).

وقوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث أبي هريرة أيضًا: (قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، متفق عليه (٢).

ومن هنا نعلم خطأ من أطلق القول بأن صفات الله تعالى من المتشابه، ولم يفرق بين المعنى والكيف، كما فعل ابن قدامة (٣)


(١) متفق عليه: البخاري (١/ ٢٧٧) ح (٧٧٣)، ومسلم (٣/ ٢١) ح (١٨٢).
(٢) البخاري (٣/ ١١٨٥) ح (٣٠٧٢)، ومسلم (١٧/ ١٧١) ح (٢٨٢٤).
(٣) انظر: روضة الناظر (١/ ١٨٦)، واللمعة وشروحها. وابن قدامة هو: العلامة الفقيه الحنبلي، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، كانت أوقاته مستغرقة في العلم والعمل، وكان إليه المنتهى في معرفة المذهب الحنبلي وأصوله، وكان مع تبحره في العلوم صاحب ورع وزهد وهيبة ووقار، وعقيدة صحيحة، توفي رحمه سنة (٦٢٠ هـ) له عدة مصنفات منها المغني والكافي والمقنع وغيرها. [انظر: العبر (٣/ ١٨٠)، وشذرات الذهب (٥/ ٨٨)، والدر المنضد في أسماء كتب مذهب الإمام أحمد لعبد الله بن حميد (٣٢)، ومختصر طبقات الحنابلة لابن شطي (٥٢)].

<<  <   >  >>