ولست الآن في صدد بيان مناهج الأئمة عند تعارض الجرح والتعديل الثابت صدورهما من إمامين ثقتين عدلين عارفين بأسباب الجرح والتعديل؛ فإن بيان ذلك وضرب الأمثلة له يطول، وإنما المراد هاهنا أن أضرب بعض الأمثلة العملية من صنيع الحافظ ابن حجر رحمه الله عند تعارض الجرح والتعديل من أكثر من إمام.
فمن ذلك:
١) قوله في ترجمة هشام بن عروة بن الزبير الأسدي:"مجمع على تثبته إلا أنه في كبره تغير حفظه فتغير حديث من سمع منه في قدمته الثالثة إلى العراق، قال يعقوب بن شيبة: "هشام ثبت ثقة لم ينكر عليه شيء إلا بعد ما صار إلى العراق فإنه انبسط في الرواية عن أبيه فأنكره أهل بلده، والذي نراه أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمع منه فكان تساهله أنه أرسل عن أبيه ما كان يسمعه من غير أبيه، قلت (الحافظ): هذا هو التدليس، وأما قول ابن خراش:"كان مالك لا يرضاه" فقد حكي عن مالك فيه شيء أشد من هذا، وهو محمول على ما قال يعقوب". "هدي الساري" (٤٤٨).
٢) ذكر الحافظ في ترجمة محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري أن الذهلي ذكره في الطبقة الثانية من أصحاب الزهري، وقال: "إنه وجد له ثلاثة أحاديث لا أصل لها" ثم قال الحافظ: "الذهلي أعرف بحديث الزهري وقد بين ما أُنكِر عليه، فالظاهر أن تصعيف من ضعفه بسبب تلك الأحاديث التي أخطأ فيها". "هدي الساري" (٤٤٠).
٣) قال الحافظ في ترجمة زياد بن عبد الله البكائي: "صدوق في المغازي مختلف فيه في غيرها، قال ابن معين:"لا بأس به في المغازي، وأما غيرها فلا"، وقال أبو حاتم:"يكتب حديثه ولا يحتج به" وأطلق جماعة تضعيفه، وهو محمول على ما قال ابن معين". "موافقة