منها عُنُقٌ فَزَفرت زَفرة بلغت منها القلوب الحناجر). وقال القرطبي:(أي: أظهرت {الْجَحِيمُ} يعني جهنم. {لِلْغَاوِينَ} أي: الكافرين الذين ضلوا عن الهدى. أي: تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن، كما يستشعر أهل الجنة الفرح لعلمهم أنهم يدخلون الجنة).
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مَعَ كل زمام سبعون ألف ملك يجرُّونها](١).
تقريع وتوبيخ لأهل النار الذين استحقوا دخولها بعبادتهم الأوثان والأنداد والطواغيت من دون الله. فيقال لهم: أين الأنداد اليوم لينقذوكم من عذاب الله وبأسه وغضبه؟ ! أو ينصرون أنفسهم فينجون من دخول النار معكم! ؟
قال النسفي:(يوبخون على إشراكهم فيقال لهم: أين آلهتكم هل ينفعونكم بنصرتهم لكم؟ أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم؟ لأنهم وآلهتهم وقود النار).
وقوله تعالى:{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}. أي: فرمي ببعضهم في الجحيم على بعض منكبين على وجوههم إذلالًا لهم. قال ابن عباس:({فَكُبْكِبُوا فِيهَا} يقول: فجمعوا فيها). وقال مجاهد:({فَكُبْكِبُوا}: فدهوروا). وقال ابن زيد:(طرحوا فيها). وعن قتادة:({وَالْغَاوُونَ}: الشياطين).
وفي لغة العرب: كبكَبهُ أي كبَّهُ، وكبَّه الله لوجهه أي: صرعه. والمقصود: ألقي الكفار بعضهم على بعض في جهنم وقادتهم الذين دعوهم إلى الشرك. قال الزمخشري:(والكبكبة تكرير الكب - وهو الإلقاء على الوجه - جعل التكرير في اللفظ دليلًا على التكرير في المعنى، كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر في قعرها).
وقوله تعالى:{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ}.
قال ابن جرير:(يقول: وكبكب فيها مع الأنداد والغاوين جنود إبليس أجمعون. وجنوده، كل من كان من تباعه من ذرّيته كان أو من ذرّية آدم).
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (٨/ ١٤٩) - كتاب صفة النار، باب: في ذكر أزِمَّةِ النار. والزمام: ما يزم به الشيء أي يشد ويربط. انظر مختصر صحيح مسلم (١٩٧٥).