للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وجه الأرض، فخرجوا كلهم إلى تلك الظلة، حتى إذا اجتمعوا كلهمِ، كشف الله عنهم الظلة، وأحمى عليهم الشمس، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المِقلى).

وقد ذُكِرَت قصة إهلاك أهل مدين في القرآن الكريم في أحوال ثلاثة، حسب ما يناسب السياق.

الحال الأول: قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: ٩١].

الحال الثانية: قوله تعالى: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: ٩٤].

الحال الثالثة: قوله تعالى: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: ١٨٩].

ففي آية "الأعراف ذكر هلاكهم بالرجفة، وناسب ذلك محاولتهم الإرجاف بنبيّ الله ومن اتبعه حيث قالوا له: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: ٨٨].

وفي آية "هود" ذُكر هلاكهم بالصيحة، وناسب ذلك محاولة التهكم بنبيِّهم والازدراء، حيث قالوا له: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: ٨٧]، فناسب أن تأتيهم صيحة تخرسهم.

وهنا في آية "الشعراء" ذُكر هلاكهم بإسقاط الكسف عليهم كما سألوا، وإنما كان الكسف شررًا ولهبًا من نار تحرق أجسامهم وتزهق أرواحهم وتخترق الظلة التي كانت من مكر الله بهم.

وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.

أي: إن في إهلاك أهل مدين بهذه الصورة المقيتة المؤلمة لعبرة لمن جاء بعدهم، وما كان أكثرهم في سابق علمه تعالى مؤمنين. وإن ربك - يا محمد - لهو العزيز في انتقامه من أعداء رسله، الرحيم في إنجائه الصالحين منهم.

١٩٢ - ٢٠٢. قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>