في هذه الآيات: تحذيرُ الله تعالى من الشرك، وأمرُه نبيّه - صلى الله عليه وسلم - البدء بالقرابة والعشيرة في الدعوة وخفض الجناح للمؤمنين، والتوكل عليه إنه هو العزيز الرحيم، الذي يرى قنوتك له - يا محمَّد - وتقلبك في الساجدين.
فقوله تعالى:{فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}. قيل: المعنى قل لمن كفر هذا. وقيل: الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد من حوله وأمته فهو المعصوم لا يشرك بالله شيئًا. قال القرطبي:(ودلّ على هذا قوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} أي: لا يتكلون على نسبهم وقرابتهم فيدعون ما يجب عليهم).
أَمْرٌ بإنذار العشيرة والأقربين، فقد صحّ الخبر بانقضاء مرحلة الدعوة السرية بنزول هذه الآية، وفي ذلك أحاديث:
الحديث الأوّل: أخرج البخاري ومسلم - واللفظ للإمام البخاري - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: [لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} صَعِدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا فجعل ينادي: يا بني فِهْر، يا بني عَدِيّ لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرُجَ أرسلَ رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرْتُكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغيرَ عليكم أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تَبًّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}] (١).
الحديث الثاني: خرّج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: [لما أنزلت هذه الآية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشًا فاجتمعوا فَعَمَّ وخَصَّ، فقال:
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٧٧٠) - كتاب التفسير. وانظر (٣٥٢٥)، (٤٩٧١). ورواه مسلم (٢٠٨)، والترمذي (٣٣٦٣)، والنسائيُّ في "الكبرى" (١٠٨١٩)، وأخرجه أحمد (١/ ٢٨١)، (١/ ٣٠٧)، وابن حبَّان (٦٥٥).