للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانية، أي: لهم منازل مرتفعة وفوقها منازل أرفع منها) (١) يشير إلى آية الزمر (٢٠).

وقوله تعالى: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

أي: هؤلاء الذين استحقوا سكنى الغرف أعلى الجنة هم الذين صبروا على أذى الطغاة والمشركين، وتحمّلوا أعباء الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين، وكانوا في أعمالهم وأرزاقهم وجهادهم على ربهم يتوكلون.

وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

أي: كم من دابة لا تطيق تحصيل قوتها لضعفها أو عجزها، فيقيِّضُ الله لها رزقها ويوصله إليها، فإن الله تعالى قد قسم الأرزاق بين مخلوقاته كما قس آجالهم، فهو السميع لندائهم ودعائهم لا يفوته شيء، العليم بأحوال خلقه وحاجاتهم وكل شيء.

وعن مجاهد: ({وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا}. قال: الطير والبهائم لا تحمل الرزق). قال أبو مُجَلِّز: (من الدواب ما لا يستطيع أن يَدَّخر لغد، يُوَفَّق لرزقه كل يوم حتى يموت). قال ابن كثير: {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} أي: اللهُ يقَيّضُ لها رِزْقَها على ضَعْفِها، ويُيَسِّره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يُصلِحُه حتى الذَّرِّ في قرار الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الماء).

وفي التنزيل نحو ذلك:

١ - قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: ٦].

٢ - وقال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: ٢٢ - ٢٣].

٣ - وقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: ١٣٢].

وهنا رَبَطَ سبحانه العبادة بمفهوم الرزق، ليرفع من منزلة ابن آدم على منزلة الدواب والبهائم غير المكلفة والمتكفّل برزقها، فإن الشيطان يهم بالعبد كلما حاول تفريغ جزء من وقته لأهله ورعاية دينهم وأخلاقهم وتوجههم، فجاءت الآية تطمئن المؤمن أن


(١) انظر تفصيل هذا البحث، في كتابي: أصل الدين والإيمان. (٢/ ٧٨٥ - ٧٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>