للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (١).

وفي رواية لمسلم: [فقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال: ليس بذلك، ألا تسمعون إلى قول لقمان].

وقوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ}.

قَرَنَ وصيته ابنه إفراد الله تعالى بالعبادة والتعظيم، بالبر والإحسان للوالدين، وهذا كما قال تعالى في الذكر الحكيم: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣]. فإن طاعة الوالدين في البر تأتي بعد طاعة رب العالمين.

وفي الصحيحين عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [سألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها. قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: بِرُّ الوالدين. قلت: ثم أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله] (٢).

وقوله: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}. قال ابن عباس: (يقول: شدّة بعد شدّة، وخلقًا بعد خلق). وقال الضحاك: (يقول: ضعفًا على ضعف). وقال قتادة: (أي: جهدًا على جهد). وقال مجاهد: (وهن الولد على وهن الوالدة وضعفها).

قال القرطبي: ({وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} أي: حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفًا على ضعف. وقيل: المرأة ضعيفة الخِلقة ثم يضعفها الحمل).

وقوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}. قال ابن كثير: (أي: تربيتُه وإرضاعُه بعد وَضْعِه في عامين، كما قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣]. ومن ها هنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أَقَلَّ مدة الحمل ستة أشهر، لأنه قال تعالى في الآية الأخرى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥].

قلت: وتخصيص الله تعالى الأم بمشاق الحمل وآلام الوضع وجهد الإرضاع يجعل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٧٧٦) - كتاب التفسير، سورة لقمان، آية (١٣)، وكذلك أخرجه برقم (٣٢) - كتاب الإيمان. وأخرجه مسلم (١٢٤) - كتاب الإيمان.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (١٠/ ٣٣٦)، وأخرجه مسلم في الصحيح (٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>