وأصل الحميم الماء الشديد حرارته. كنى به عن الوليّ المخلص في ودّه، لما يجد في نفسه من حرارة الحب والشوق والاهتمام نحو مواليه).
وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا}. قال القرطبي: ({وَمَا يُلَقَّاهَا} يعني هذه الفَعلة الكريمة والخصلة الشريفة {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} بكظم الغيظ واحتمال الأذى).
أي: وما يلقى هذه الخصلة الرفيعة التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلا الذين صبروا على تجرّع الشدائد، الذين ورثوه من حسن طاعتهم للَّه وامتثالهم لأوامره القاضية بالتخلق بالعلم والعفو والحلم.
وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. قال ابن عباس: (أي نصيب وافر من الخير). وقال السدي: ({إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}: ذو جدّ). وقال مجاهد: (الحظ العظيم الجنة). وقال الحسن: (واللَّه ما عظم حظ قط دون الجنة).
فيكون مفهوم الآية على أحد تأويلين:
التأويل الأول: ما يُلَقَّى تلك الخصلة الشريفة إلا أهل الصبر وإلا ذو حظ عظيم من الخير وكمال النفس والخُلق والعقل.
التأويل الثاني: وما يُلَقَّى الجنة إلا الصابرون، وكذلك إلا ذو حظ عظيم.
قلت: والإعجاز القرآني يحتمل التأويلين معًا، فإن تلك الخصال الرفيعة طرق الجنة.
وقوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ}. قال السدي: (وسوسة وحديث النفس). وقوله: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي من كيده وشره، وإرادته الفاسدة بمقابلة الإساءة بطرقه الشيطانية التي لا تبقي للصلح سبيلًا.
قال ابن كثير: (أي: إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه، فأما شيطان الجن فإنه لا حيلةَ فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سَلَّطَه عليك، فإذا استعذت باللَّه ولجأت إليه، كَفَّهُ عنك ورَدَّ كيدَه).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: ١٩٩ - ٢٠٠].
٢ - وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ