للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجمهور على خلاف دلالة الآية كما استنبطها الخطيب، قالوا بجواز الخلع من غير نشوز ولا غضب، غير أنه يُكره لما فيه من قطع الصلة بلا سبب، وذهب الإمام أحمد وغيره إلى كراهية الخلع من غير نشوز وأنه لا يجوز. (١)

ورجَّح دلالة هذه الآية ابن عاشور مخالفاً القرطبي والجمهور فقال: (والحق أن الآية صريحة في تحريم أخذ العوض عن الطلاق إلا إذا خيف فساد المعاشرة بألا تحب المرأة زوجها .. - ثم قال-: وأجاب الجمهور بأن الآية لم تذكر قوله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} على وجه الشرط بل لأنه الغالب من أحوال الخلع، ألا يرى قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤] هكذا أجاب المالكية كما في «أحكام ابن العربي»، و «تفسير القرطبي» (٢). وعندي أنه جواب باطل، ومُتمسك بلا طائل، أما إنكار كون الوارد في هاته الآية شرطاً، فهو تعسف وصرف للكلام عن وجهه، كيف وقد دلَّ بثلاثة منطوقات وبمفهومين وذلك قوله: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} فهذا نكرة في سياق النفي، أي لا يحل أخذ أقل شيء، وقوله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا} ففيه منطوق ومفهوم، وقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ} ففيه كذلك، ثم إن المفهوم الذي يجيء مجيء الغالب هو مفهوم القيود التوابع كالصفة والحال والغاية، دون ما لا يقع في الكلام إلا لقصد الاحتراز، كالاستثناء والشرط. وأما الاحتجاج للجواز بقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}، فمورده في عفو المرأة عن بعض الصداق، فإن ضمير {مِنْهُ} عائد إلى الصدقات، لأن أول الآية {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء: ٤] الآية، فهو إرشاد لما يعرض في حال العصمة مما يزيد الألفة، فلا تعارض بين الآيتين، ولو سلَّمنا التعارض لكان يجب على الناظر


(١) ينظر: المغني (٧/ ٣٢٦) وهو اختيار ابن المنذر.
(٢) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (١/ ٢٦٣) الجامع لأحكام القرآن (٣/ ١٤٠).

<<  <   >  >>