للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحق أن هذه الدلالة على مذهب المعتزلة، وفيها إخراج لفظ التقوى عن معناه الصحيح المعروف عند أهل السنة. فالزمخشري - ومن تبعه - أراد أن ينتصرهنا لمعتقده الفاسد أن الإيمان هو جماع الطاعات، فمن شروط قبول الله تعالى الأعمال الصالحة عنده أن تكون صادرة عن الإيمان المطلق، وأن صاحب المعاصي لا يُتقبل عمله، فصاحب الكبيرة وإن أتى بأعمال كالجبال لا تنفعه، حتى يأتي بالتوبة الموجبة لمحوها.

قال أبو حيان: (ولم يخل من دسيسة الاعتزال على عادته، يحتاج الكلام في فهمه إلى هذه التقديرات، والذي قدرناه أولاً كافٍ وهو: أن المعنى لأقتلنك حسداً على تقبل قربانك، فعرَّض له بأن سبب قبول القربان هو التقوى وليس متقياً). (١)

والذي عليه أهل السنّة والجماعة أن المؤمن إذا كان متقياً لله في عمله الذي تقرب به، فإنه مقبول، وإن كان عاصياً في غيره، وخالف في ذلك الخوارج، فذهبوا إلى أن مرتكب الكبيرة كافر، إلا أن يتوب، فلا يقبل الله صلاة الزاني ولا صيامه ولا زكاته، ولم يحكم عليه المعتزلة بالكفر، بل هو في منزلة بين المنزلتين، بين الكفر والإيمان، ولكنه في الآخرة من الخالدين في النار. (٢)

قال ابن عطية عند هذه الآية: (وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ أنها اتقاء الشرك (٣)، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدُق فيها نيته مقبولة، وأما


(١) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٢٢٩).
(٢) ينظر: متن الطحاوية بتعليق الألباني (١/ ٦٥)، والإيمان لابن تيمية (١/ ١٧٦)
(٣) ونقل عنه هذا الإجماع القرطبي، وأبو حيان، وغيرهم. ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٦/ ١٣٥)، والبحر المحيط في التفسير (٤/ ٢٢٩).

<<  <   >  >>