للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في قوله تعالى {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ} في أكثر قول المفسرين هو للتعجب (١)، ومحل العجب هو قوله: {ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} أي من العجيب أنهم يتركون كتابهم بعد علمهم بما في التوراة من حدّ الزاني، ويحكمونك وهم غير مؤمنين بك، ثم يتولون بعد حُكمك إذا لم يرضهم! (٢) فعدلوا عما يعتقدونه حُكماً حقاً إلى ما يعتقدونه باطلاً طلباً للرخصة.

قال الرازي: (فلا جرم ظهر جهلهم وعنادهم في هذه الواقعة من وجوه:

أحدها: عدولهم عن حكم كتابهم، والثاني: رجوعهم إلى حكم من كانوا يعتقدون فيه أنه مبطل، والثالث: إعراضهم عن حكمه بعد أن حكّموه). (٣)

وقال ابن عاشور: (جمعوا عدم الرضى بشرعهم وبحكمك! وهذه غاية التعنت المستوجبة للعجب في كلتا الحالتين، كما وصف الله حال المنافقين في قوله: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور: ٤٨: ٤٩]. ويحتمل أن يكون الاستفهام إنكاري (٤)، أي: هم لا يحكمونك حقاً. ومحل الإنكار هو أصل ما يدل عليه الفعل من كون فاعله جاداً، أي: لا يكون تحكيمهم صادقاً، بل هو تحكيم صوري يبتغون به ما يوافق أهواءهم، لأن لديهم التوراة فيها حكم ما حكموك فيه من الرجم، وهو حكم الله،


(١) ينظر: معالم التنزيل ٢/ ٥٤، والتفسير الكبير ١١/ ٣٦٢، وأنوار التنزيل ٢/ ١٢٧، ومدارك التنزيل ١/ ٤٤٨، والبحر المحيط ٤/ ٢٦٥، وإرشاد العقل ٣/ ٤٠، والتحرير والتنوير (٦/ ٢٠٦).
(٢) التحرير والتنوير (٦/ ٢٠٦).
(٣) التفسير الكبير ١١/ ٣٦٢.
(٤) ينظر: التسهيل لابن جزي (١/ ٢٣٢)

<<  <   >  >>