للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستقل بشريعة خاصة، وذلك ينفي كون أمة أحد الرسل مكلفة بشريعة الرسول الآخر.

وتجدر الإشارة هنا إلى خلاصة تحرير القول في مسألة (شرع من قبلنا) -كما أشار إليها الخطيب- إذ أن الأحكام في كل شريعة قسمان: أصول، وفروع: فالأصول كالإيمان بالله وحده، والبعث والجزاء والجنة والنار، قد اتفقت عليها شرائع الأنبياء جميعاً، أما الفروع فقد اختلفت فيها الشرائع، وهي التي وقع فيها الخلاف بين العلماء، ومحل النزاع في المسألة هو ما ثبت في شرعنا أنه شرع لمن قبلنا، ولم يثبت في شرعنا موافقته أو مخالفته - أي ورد في شرعنا وسُكِت عنه – وهذا مختلف فيه على قولين:

الأول: أنَّ شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يُنسخ، وورد من طريق وحي لا من طريقِ كتبِهم المحرَّفة. (١)

الثاني: أنَّه ليس شرعاً لنا وليس بحجة، وهو مذهب أكثر الشافعية، وأحمد في رواية عنه، والأشاعرة والمعتزلة، ثم افترقوا فأحالتْهُ المعتزلة عقلاً وشرعاً، وأجازه الأشاعرة عقلاً ومنعوه شرعاً. (٢)


(١) وهو قول جمهورِ العلماء من الأحنافِ والمالكيةِ وبعضِ الشَّافعية، وأصحِّ الرِّوايتين عن الإمام أحمد، وعليه أكثرُ أصحابه، واختار هذا القول القاضي أبو يعلى، وأبو الخطاب، وابن قدامة، وابن تيمية، وابن القيم من الحنابلة، والباجي، والقرافي، وابن الحاجب، من المالكية، والدبوسي، والبزدوي من الحنفية.
ينظر: العدة في أصول الفقه لأبي يعلى ٣/ ٥٧١، وشرح الكوكب المنير ٤/ ٤٠٨، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ١/ ١٤٥، وكشف الأسرار ٣/ ٣١٥، ومجموع الفتاوى ٧/ ١٩.
(٢) من أصحاب هذا القول: ابنُ حزم، والغزالي، والآمدي، والرَّازي، والشيرازي في آخرِ قولَيْه، وابنُ السمعاني، ينظر: البرهان في أصول الفقه للجويني ١/ ١٨٩، والمستصفى للغزالي ١/ ١٦٦، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ٤/ ١٣٨، واللمع للشيرازي ١/ ٦٣.

<<  <   >  >>