للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال السمين الحلبي: (ورُجِّح الأول - أي عود الضمير على لحم الخنزير - بأن اللحم هو المُحدَّث عنه، والخنزير جاء بعرضية الإضافة إليه، ألا ترى أنك إذا قلت: «رأيت غلام زيد فأكرمته» أن الهاء تعود على الغلام؛ لأنه المُحدَّث عنه المقصود بالإخبار عنه لا على زيد؛ لأنه غير مقصود). (١)

وقال ابن كثير: (قوله {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} يعني: إنسيه ووحشيه، واللحم يعُمُّ جميع أجزائه حتى الشحم، ولا يحتاج إلى تحذلق الظاهرية في جمودهم هاهنا وتعسفهم في الاحتجاج بقوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا} يعنون قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥] أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير، حتى يعم جميع أجزائه، وهذا بعيد من حيث اللغة، فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء، كما هو المفهوم من لغة العرب، ومن العرف المطَّرِد). (٢)

وعليه فالذي يظهر ضعف ما قاله الخطيب من عود الضمير على المضاف إليه دون المضاف، كما أن دلالة الآية على نجاسة عين الخنزير ليست دلالة قطعية، فقد يراد بالنجاسة: النجاسة الحُكمية وهى حُرمة الأكل، وليس النجاسة العينية، كنجاسة المشركين في قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨]، فالمراد: نجاسة الاعتقاد وليس النجاسة العينية، وكما جاء في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: ٩٠]، فنجاسة الأنصاب والأزلام حُكمية وهى الحرمة وليست نجاسة عينية، ولذلك استدل بعض العلماء على


(١) الدر المصون ٥/ ٢٠٠
(٢) تفسير القرآن العظيم ٣/ ١٦.

<<  <   >  >>