للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طلب المستحيل من الأنبياء محال خصوصاً ما يقتضي الجهل بالله تعالى، ولذلك ردّه بأن {قَالَ} له {لَنْ تَرَانِي} دون لن أُرى، ولن أريك، ولن تنظر إليّ؛ تنبيهاً على أنه قاصر عن رؤيته لتوقفها على بُعد في الرائي لم يوجد فيه بَعد (١)، وجعلُ السؤال لتبكيت قومه الذين: قالوا: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء، ١٥٣] كما قاله الزمخشري (٢) أشدّ خطأ؛ إذ لو كانت الرؤية ممتنعة لوجب أن يجهلهم ويزيل شبهتهم كما فعل بهم حين قالوا: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا}، والاستدلال بالجواب وهو قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} على استحالتها أشدّ خطأ؛ إذ لا يدل الإخبار عن عدم رؤيته إياه على أنه لا يراه أبداً، وأن لا يراه غيره أصلاً، فضلاً عن أن يدل على استحالته، فإنّ أهل البدع والخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة قالوا: (لن) تكون لتأبيد النفي (٣) وهو خطأ؛ لأنها لو كانت للتأبيد لزم التناقض بذكر اليوم في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: ٢٦]، ولزم التكرار بذكر أبداً في قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: ٩٥]، ولن تجتمع مع ما هو لانتهاء الغاية نحو قوله تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} [يوسف: ٨٠]، وأمّا تأبيد النفي في قوله تعالى: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج: ٧٣] فلأمر خارجيّ لا من مقتضيات (لن)، ولا تقتضي تأكيد النفي أيضاً، خلافاً للزمخشريّ في كشافه (٤)، بل قولك: لن أقوم، محتمل لأن تريد به أنك لا


(١) وهذا في الدنيا، فلا أحد يرى الله تعالى في الدنيا؛ لضعف أجسام الناس ومداركهم عن رؤية الله، فإن الله أنشأ الخلق في هذه الدار على نشأة لا يقدرون بها، ولا يثبتون لرؤية الله، أما في الآخرة فإن الله يعطي المؤمنين قوة بها يستطيعون أن يروا ربهم سبحانه وتعالى،وأمور الآخرة تختلف عن أمور الدنيا. ينظر: تيسير الكريم الرحمن (١/ ٣٠٢)
(٢) ينظر: الكشاف (٢/ ١٥٤)
(٣) ويقصدون بتأبيد النفي نفي رؤية الله في الآخرة، وسيأتي مزيد بيان وتفصيل لقصدهم وبطلانه.
(٤) ينظر: الكشاف (٢/ ١٥٤)

<<  <   >  >>