للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلمة الأزلية بالشقاوة، ولا مزيد على بيان الله تعالى، فمن خلقه الله لجهنم فلا حيلة له في الخلاص منها. (١)

وقالت المعتزلة: ليس هذا مراد الآية، لأن كثيراً من الآيات دلَّت على أنه تعالى أراد من الكل الطاعة والعبادة كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]. وجعلوا اللام في هذه الآية للعاقبة، لكنهم يجعلونها للعاقبة مع أنه لا استحقاق للنار، والمعنى: خلقناهم للطاعة فآل أمرهم إليها – أي إلى جهنم- (٢).

وقول المعتزلة هذا بأن اللام للعاقبة هو فرار عن إرادة الله المعاصي، وهو عدول عن ظاهر الآية الكريمة (٣)؛ لأنه يلزم منه كون الكفر مراد الله تعالى وهو خلاف مذهبهم.

قال الرازي: (واعلم أن المصير في التأويل إنما يحسن إذا ثبت بالدليل امتناع العقل حمل هذا اللفظ على ظاهره، وأما لما ثبت بالدليل أنه لا حق إلا ما دلَّ عليه ظاهر اللفظ، كان المصير إلى التأويل في مثل هذا المقام عبثاً. وأما الآيات التي تمسكوا بها في إثبات مذهب المعتزلة، فهي معارضة بالبحار الزاخرة المملوءة من الآيات الدالة على مذهب أهل السنة، ومن جملتها ما قبل هذه الآية وهو قوله: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ


(١) ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (٢/ ٤٢٨)، ومعالم التنزيل للبغوي (٢/ ٢٥٢).
(٢) ينظر: غرائب التفسير وعجائب التأويل للكرماني (١/ ٤٢٨)، وينظر: مدارك التنزيل (١/ ٦١٩).
(٣) قال الزمخشري: (جعلهم لإغراقهم في الكفر، وشدة شكائمهم فيه، وأنه لا يأتى منهم إلا أفعال أهل النار، مخلوقين للنار، دلالة على توغلهم في الموجبات وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار). الكشاف (٢/ ١٧٩) وهذا يقتضي الاستعارة في ذرأنا وهو تكلف راعى به قواعد الاعتزال في خلق أفعال العباد وفي نسبة ذلك إلى الله تعالى. ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (٩/ ١٨٢ وما بعدها).

<<  <   >  >>