للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وممن استنبط دلالة هذه الآية على نفي التهمة عن النفس: الزمخشري، والبيضاوي، والنسفي، وأبوحيان، والقاسمي، وابن عاشور، والسعدي، وغيرهم. (١)

والذي يظهر أن معنى الآية يحتمل هذه الدلالة، كما يحتمل أن يكون غرضه عليه السلام من ذلك أن لا يبقى في قلبه التفات إلى رد الملك وقبوله، وكان هذا الفِعل منه جارياً مجرى التلافي لما صدر منه من التوسل لصاحبه في السجن بقوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} فبقي في السجن بضع سنين، ولما طلبه الملك لم يلتفت إليه ولم يُقِم لطلبه وزناً، واشتغل بإظهار براءته عن التهمة (٢)، وإن كانت الدلالة الأولى أظهر في القوة والمعنى، والله تعالى أعلم.

رعاية الأسباب أولاً، وعدم الاعتماد عليها بل على التوحيد.

قال الله تعالى: {وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: ٦٧]

قال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: (واعلم أنّ الإنسان مأمور بأن يراعي الأسباب المعتبرة في هذا العالم بأن يجزم بأنه لا يحصل إلا ما قدَّره الله تعالى، وأن الحذر لا يدفع القدر، فالإنسان مأمور بأن يحذر الأشياء المهلكة والأغذية الضارة، ويسعى في تحصيل المنافع ودفع المضارّ بقدر الإمكان، ومع ذلك يكون جازماً بأنه لا يصل إليه إلا ما قدّره الله تعالى، ولا يحصل في الوجود إلا ما أراده الله تعالى،


(١) ينظر: الكشاف (٢/ ٤٧٧)، وأنوار التنزيل (٣/ ١٦٦)، ومدارك التنزيل (٢/ ١١٦)، والبحر المحيط (٦/ ٢٨٧)، ومحاسن التأويل (٦/ ١٨٤)، والتحرير والتنوير (١٢/ ٢٨٨)، وتيسير الكريم الرحمن (١/ ٤١٠).
(٢) ينظر: التفسير الكبير للرازي (١٨/ ٤٦٦).

<<  <   >  >>