للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتأوَّل الأشعرية معنى التقوى هنا أنه يراد به تقوى الشرك (١)، وقالوا: من اتقى الشرك فهو من المتقين وإن عمل الكبائر، وهو مخالف لما عليه أئمة السلف (٢)، فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر، لا أصل له في خطاب الشارع، فلا يجوز حمله عليه. (٣)

قال شيخ الإسلام في ردّه على الأشاعرة: «وأما قولكم: المتقون الذين اتقوا الشرك. فهذا خلاف القرآن؛ فإن الله تعالى قال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [المرسلات: ٤١ - ٤٢]، وقال: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: ١ - ٤].

وقالت مريم: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: ١٨].

وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: ٧٠ - ٧١]، فهم قد آمنوا واتقوا الشرك، فلم يكن الذي أمرهم به بعد ذلك مجرد ترك الشرك. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: ١٠٢]


(١) قريب من هذه الدلالة ما تقدم من تأويل المرجئة قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] أن المراد من اتقى الشرك، وذلك في الرد على قول المعتزلة أن الإيمان هو جماع الطاعات. ينظر الاستنباط رقم:: (٦٧).
(٢) ينظر: الإيمان لابن تيمية (١/ ١٧٦)، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني (١/ ٤١٠)، والمنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال للذهبي (١/ ٣٨٣).
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى (٧/ ٤٩٤) (١٠/ ٣٢١) و (١١/ ٦٦٢)، وينظر: عدة الصابرين لابن القيم ص ٨٨.

<<  <   >  >>