للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الآية استدل بها جمهور الفقهاء والأصوليين (١) على أن الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، ويؤيد هذه الدلالة آيات كثيرة من كتاب الله كما في قوله تعالى: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: ١١ - ١٢].

ووجه دلالتها: أن الله تعالى لما أَمَرَ الملائكة بالسجود لآدم تبادروا إلى فعله، فعُلِم أنهم عقلوا من إطلاقه وجوب امتثال المأمور به، ثم لما امتنع إبليس من السجود وبَّخَهُ وعاقبه وأهبطه من الجنة، فلولا أن ذلك واجب عليه لما استحق العقوبة والتوبيخ بتركه. (٢)

وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: ٤٨] فإن قوله: {ارْكَعُوا} أمر مطلق، وذمَّه تعالى للذين لم يمتثلوه بقوله: {لَا يَرْكَعُونَ} يدل على أن امتثاله واجب، وكقوله تعالى عن موسى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: ٩٣]، فسمى مخالفة الأمر معصية، وأمره المذكور مطلق، وهو قوله: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: ١٤٢]

فدلَّت هذه الآيات وأمثالها في القرآن على أن صيغة الأمر إذا تجردت عن القرائن، فإنها تقتضي الوجوب حقيقة، واستعمالها فيما عداه من المعاني كالندب


(١) ينظر: العدة في أصول الفقه (١/ ٢٢٩)، والإحكام للآمدي (٢/ ١٤٦)، وشرح الكوكب المنير (٣/ ٤٠)، وإرشاد الفحول (١/ ٢٤٩)، ومذكرة في أصول الفقه (١٩١) ومعالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة (١/ ٣٩٨).
(٢) ينظر: العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى (١/ ٢٢٩)

<<  <   >  >>