للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن أبي العز: (والذي عليه أهل السنة والجماعة: أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى خالق أفعال العباد. - إلى أن قال رحمه الله -: وأن الله تعالى يريد الكفر من الكافر ويشاؤه، ولا يرضاه ولا يحبه، فيشاؤه كوناً، ولا يرضاه ديناً.

وخالف في ذلك القدرية والمعتزلة، وزعموا: أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر، فروا إلى هذا لئلا يقولوا: شاء الكفر من الكافر وعذّبه عليه! ولكن صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار! فإنهم هربوا من شيء فوقعوا فيما هو شر منه! فإنه يلزمهم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى، فإن الله قد شاء الإيمان منه - على قولهم - والكافر شاء الكفر، فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى! وهذا من أقبح الاعتقاد، وهو قول لا دليل عليه، بل هو مخالف للدليل). (١)

والحق في ذلك أن الله سبحانه موصوف بالإرادة، وأن إرادته تعالى الواردة في القرآن على نوعين:

النوع الأول: الإرادة الكونية القدرية: وهي بمعنى المشيئة، لا يخرج عنها شيء من أفعال العباد، سواء كان طاعة أو معصية، خيراً أو شراً، وهي متعلقة بتقديره تعالى وخلقه، وهي دليل كمال ربوبيته وسيادته، ولا تستلزم الحب والرضا، فقد تكون مما يحب الله ويرضى، كالطاعات الواقعة من عباد الله الصالحين، وقد تكون مما لا يحب ولا يرضىـ بل يسخط ويكره كالمعاصي والكفر ونحوها الواقعة من العباد، ومن هذا النوع قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}


(١) شرح الطحاوية (١/ ٣٢١).

<<  <   >  >>