للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو في الوقت الذي أخبر فيه عبد الله بن مسعود أنه لم يكن معه ليلة الجن، والمرة الأخرى: كان معه ابن مسعود، وقد استندب صلى الله عليه وسلم من يقوم معه إلى أن يتلو القرآن على الجن، فلم يقم أحد غير عبد الله بن مسعود (١)، فهذا يقتضي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر بحضورهم في المرة الأولى وإنما استمعوا قراءته ثم رجعوا إلى قومهم، ثم بعد ذلك وفدوا إليه تِباعاً قوما بعد قوم، وفوجاً بعد فوج. (٢)

ويؤيده ماحكاه الشنقيطي وغيره قال: (وقد دلَّ القرآن العظيم أن استماع هؤلاء النفر من الجن، وقولهم ما قالوا عن القرآن كُله وقع ولم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أوحى الله ذلك إليه، كما قال تعالى في القصة بعينها مع بيانها وبسطها، بتفصيل الأقوال التي قالتها الجن، بعد استماعهم القرآن العظيم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: ١ - ٢]، إلى آخر الآيات). (٣)

وعليه فالذي يظهر أنه عليه الصلاة والسلام، ما شعر بأمر الجن حتى أنزل الله عليه خبرهم. كما هي رواية ابن عباس - رضي الله عنه - ودلَّت عليه هذه الآية، كما استنبطه الخطيب، والله تعالى أعلم.


(١) ينظر: البحر المحيط (١٠/ ٢٩٣).
(٢) ينظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٧/ ٢٩١)، قال - رحمه الله -: (قال الحافظ البيهقي: وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي الله عنهما إنما هو أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمت حاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم، ولم يرهم. ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن، فقرأ، عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله عز وجل- كما رواه ابن مسعود رضي الله عنه). ينظر: دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٢٢٥).
(٣) أضواء البيان (٧/ ٢٣٥).

<<  <   >  >>