وأمّا عدمُ تفريقه؛ فسببه أنَّه إنْ فَرَّق لزمه تصحيحُ الحديث، لأنَّه رأى في إسناد الحديث أن الحافظ (أحمد بن صالح) قرأ عليه -يعني من كتابه-؛ ولذلك صحّحه عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام"(٢/ ٨٩٢).
وقال الحافظ في "الفتح": "سندُهُ صحيحٌ"؛ ولذلك كنت خرَّجته في "صحيح أبي داود"(١٧٨٠).
ثم ساق له المؤلّفُ بعضَ الشواهد من حديث علي، ومن طريقين آخرين مرسَلين؛ وقد خَرَّجها (الهدَّام) وضعَّفها؛ دون أن يستفيد من مجموعها صِحَّةً-، أو على الأقل حُسْنًا -كما هي عادته-، وهو يرى الإمام ابن القيم يُعَقِّب عليها بقوله:
"فهذان المرسَلان من هذين. الوجهين المختلفين يدلَّان على ثبوت الحديث، لا سيّما وقد احتج به من أرسله؛ وذلك يقتضي ثبوتَه عنده، هذا لو لم يكن رُوي من وجوه مسنَدةٍ غير هذين، فكيف وقد تقدم مسنَدًا؟ ! ".
لم يستفد (الهدَّام) من هذا كله شيئًا يصرفه عن هدمه؛ بل أخذ يجادلُ بالباطل، فأعرض عن تمام كلام ابن القيم، وعلّق على قوله في المرسَلَيْن:"يدلّان على ثبوت الحديث"؛ فقال (١/ ٢٨٠): "ليس كلُّ مرسَلٍ يدلُّ على ثبوت مرسَلٍ آخر. . "، وتعامى عن بقيّة كلامه، فلم يقف عند قوله:"وقد احتجّ به من أرسله"، ولا قوله:"وهذا لو لم يكن روي. . . " إلى آخره؛ فأصرَّ على تجاهله لمسند أبي هريرة الذي وَضَعَ فيه ضعفًا؛ وذلك لا ينفي صلاحيتَه للاستشهاد به، فكيف وهو عند التحقيق حُجَّةٌ بنفسه؟ ! فكيف إذا انضَمَّ إليه المرسلان؟ ! فكيف إذا انضم إليها مسند علي أيضًا؟ ! وقد أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة" -كما ذكر ابن القيم عقب حديثه، وتعامى (الهدَّام) عنه، وقد رآه أيضًا معزوًّا في كتابي "تحذير الساجد"(ص ١٤٠) إلى نسخته