قلتُ: فإِذا صحَّ هذا، فيكون الليث متابعًا خامسًا، وهو ثقةٌ حجّةٌ في كل شيوخه، ومنهم يزيدُ بن الْهَاد، فقد رواه عنه، عن عبد الوهّاب، عن ابن شِهَاب -عند أحمد وغيرهِ-، وهو مخرّجٌ في "الصحيحة" -كما سبقت الإشارةُ إلى ذلك-.
وجملةُ القولِ: فهذه خمسةُ طرقٍ عامّتها صحيحةٌ عن الزُّهْري، لا تَدَعُ أيَّ شكٍّ أو ريبٍ في ثبوت رفع الحديث إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند كل مسلم مُنْصِف يغارُ على حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُنتقصَ منه، ويُنسب إلى غيره، كما يغار أن يُنسب إليه ما لم يقُلْه من حديثِ غيره؛ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.
وبعد هذ! كله؛ فإِنِّي أقول:
إنَّه لا تلازُمَ -عند أهل الحق والعلم- بين كون حديثٍ -ما- ضعيفَ الإسنادِ، وبين أن لا يكونَ له -أو لبعضهِ- أسانيدُ أُخرى تُقَوِّيه، فالباحثُ الناصحُ -حقًا- لا يقفُ عند هذا الإسناد، بل إنَّه يتوسّع في بحثه، ويوسّع أُفُقَ نظرهِ لعلّه يجدُ ما يقوِّيه أو يقوِّي بعضَه على الأقل، وهذا مما لا يفعلُه (الهدَّام) - وقد تقدّمت له أمثلةٌ كثيرةٌ، ومنها هذا الحديثُ؛ فقد كنت ذكرتُ له بعضَ الشواهد في "الصحيحة"، فَأَعْرَضَ عنها -قصدًا وكتمانًا للحق! -.
بل إنَّه تعامى عمّا هو أصحُّ منها، وهو قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الحرب خدعة"؛ الذي أخرجه الشيخانِ -وغيرهما- عن جمعٍ من الصحابة، حتى بلغ -أو كادَ يبلُغُ- التواتر، وهو مخرّج في "الروض النضير"(٧٧٠)، و"صحيح أبي داود"(٢٣٦٩) -وغيرهما-.
فيا تُرى! ألم يكن من الواجبِ على هذا (الهدَّام) -لو كان بنَّاءً ناصِحًا- أن يُنبَّهَ قُرّاءه بأنَّ تضعيفه لهذا الحديث لا يشملُ هذه الفِقرةَ منه؛ لصحّتها