بريدة، عن أبيه - مرفوعاً -، أعلَّهما أيضاً بالانقطاع بين عبد الله وأبيه، مع أنَّ سماعه عنه ثابت في عِدَّةِ أحاديث، واحتجَّ الشيخان أيضاً بروايَته عن أبيه! ! والحديث الأوّل مخرَّج في "الصحيحة"(٩٤)، والآخر في "الإرواء"(٢٥٧٦)، وصحَّحهما جَمْعٌ من العلماء، فراجعهما إن شئت.
وعلى هذا النَّمَط من الاستغلال السيِّئ والانحراف عن الحق؛ جرى (الهدَّام) في تخرِيجه لأحاديثَ كثيرةٍ في الكتب التي سوّد عليها تعليقاتهِ! ! وحسبك الآن مثالاً الحديثُ الآتي برقم (٣٠)؛ فإِنَّه ضعَّف إسناده بقوله:" ... فإِنَّ سالماً لم يصرح بالسماع منه".
وانظر الرَّدَّ عليه هناك.
وإنَّ من لوازم هذا عدمَ الاعتماد على الأسانيد الصحيحة المعنعنة مطلقاً، حتى التي يصحِّحُها الذين اشترطوا اللقاء مع السلامة من التدليس، فإِنَّهم لم يشترطوا السماع.
ولعلَّه مِن أجلِ هذا: لَمّا ذَكَرَ المحقق ابن دقيق العيد شرطَ السلامة من التدليس استصعبه جداً؛ حيثُ قال في كتابه القيم "الاقتراح"(ص ٢٠٨) معقباً عليه:
"إلاّ إن الجَرْيَ عليه في تصرُّفات المحدِّثين وتخريجاتهم صعب عسير، يوجب اطِّراح كثير من الأحاديث التي صحَّحوها؛ إذ يتعَذَّر علينا إثبات سماع المدَلِّس فيها من شيخه، اللهم إلاّ أن يَدَّعيَ مُدَّعٍ أن الأوَّلين اطَّلعوا على ذلك ولم نطَّلِع نحن عليه! وفي ذلك نَظَرُ".
قلت: ولعلَّه من أجل تفادي الطرح المذكور؛ جعلوا المدَلِّسين طبقات، منهم من يُعْتفَرُ تدليسه لِقِلَّتِهِ، وتُقبل عنعنتهم كالثقات الذين في حفظهم