والحقيقة، أنَّ هذا الحديث الصحيح يلتقي - تمام اللقاء - قولَه - تعالى -: { ... سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} في الآية الكريمة: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} فهل {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هو غير سبيل الرسول وما دعا إليه؟ ! كلاّ ثمّ كلاّ، فإن المعنى:"ويسلك منهاجاً غير منهاجهم" كما قال إمام المفسرين أبو جعفر الطبري في "تفسيره"(٥/ ١٧٨).
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وسنَّة الخلفاء الراشدين" أي: طريقتهم ومنهاجهم الذي تلقَّوه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً، وفعلاً، وتقريراً، وما ذلك إلا لأنهم أعلم أصحابه بسنته - صلى الله عليه وسلم -، فسنَتهم من سنَّته - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك احتجَّ من سبقت الإشارة إليهم بهذا الحديث على حجيَّة إجماعهم؛ كما احتجَّ الإمام الشافعي بالآية المتقدِّمة على حجيَّة إجماع المسلمين - على ما هو مبيَّنٌ في "رسالته"، وكتب الأصول والتفسير -.
وإنَّ مِن المؤيِّدات للحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن يطع الناس أبا بكَر وعمرَ يرشُدوا" رواه أبو عَوانة في "صحيحه"(٢/ ٢٨٢)، وأصله في "مسلم"(٢/ ١٣٩ - ١٤٠)، وإليه عزَاه ابن تيميَّة (٤/ ٤٠٠)، وفيه بحثٌ لا مجال لذكره الآن، وصحَّحه ابن المنذر - كما في "الفتح"(١/ ٣٠٩) -، وهو من حديث أبي قتادة الأنصاري.
وجملة القول في هذه الفقرة - مع صحَّتها في ذاتها عند العلماء - أنَّه يشهد لها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اقتدوا ... "، وما ذُكر بعده من الموقوف والمرفوع - لاشتراكها كلها في الحضّ على الاقتداء بالخليفتين وإطاعتهم - فمِن باب أولى أن يحضّ على الاقتداء بأربعتهم واتباع سنَّتهم، كما هو ظاهرٌ لا يخفى.