للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجوابي على هذا النفي، وردّي على (الهدَّام) الذي زعم انفراد سعيد بوصله -تقليدًا منه للترمذي؛ الذي لا يثق به إلاّ إذا وافق هواه، والذي يمنعه من أن يحكي مخالفته إيّاه! - من ناحيتين اثنتين:

الأولى. القاعدة المعروفة عند العقلاء فضلًا عن العلماء: "عدم العلم بالشيء لايستلزم العلم بعدمه"، فقد يكون الشيء موجودًا ويعلمه بعضٌ دون بعض، وهذا أمر بَدَهِيٌّ لا يحتاج إلى برهان، وأعتقد أنَّه لا يجادل فيه إلا سُفُسْطائي مرتاب، أو (هدَّامٌ) معادٍ للصواب!

وإذ الأمر كذلك، فلازمه أنّ الثقة إذا أثبت شيئًا، ولم يثبت ما ينفيه فهو حُجَّة، والأمر هنا كذلك، لأنَّ رواية يزيد الرِّشك المرسله قد ثبت أنَّها مرجوحة -لاضطراب الرواة عليه وصلًا وإرسالًا-؛ فلا يصلح دليلًا لنفي الرواية المثبتة، بل الأقرب أن رواية الوصل تكون أرجح؛ لموافقتها لرواية سعيد المثبتة، وعليه تكون شاهدًا لها، وآخذةً بعضدها، فتأمَّل هذا؛ فإِنَّه من دقائق هذا العلم الذي استفدناه من تخريجاتهم وتحقيقاتهم العلمية، جزاهم الله خيرًا.

وأمّا قول (الهدَّام): "وخولف سعيد ... " -ثم ذكر رواية هشام الدَّسْتُوائي، عن قتادة، عن أبي المليح؛ أنَّه كره جلود السباع-: فهذا من جهله وعدوانه، إذ لا مخالفة بين قول الرّاوي بمقتضى حديثه، بل هذا هو الواجب على كل مسلم أن يعمل بحديث النبي وأن يفتي به، والراوي له أولى بذلك -كما لا يخفى-.

ثم إنَّ هذا (الهدَّام) يذكر دائمًا ما له -فيما يظنُّ- ويكتم كل ما عليه -فيما يعتقد-، ومما كتم هنا رواية شعبة عن قتادة ... به، مثل رواية سعيد؛ أخرجها الطبراني (٥٠٩) عَقِبَ رواية سعيد، فقال: حدثنا عبد الله بن أحمد: ثنا أبو كُرَيب: ثنا ابن المبارك، عن شعبة ... به.

وهذا إسناد صحيح غاية؛ رجاله كلهم رجال الشيخين، غير عبد الله

<<  <   >  >>