للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتارة يقع في حكم لها ومقتضى، فالخد يشارك الورد في الحمرة نفسها، وتجدها في الموضعين بحقيقتها ولكن اللفظ يشارك العسل في الحلاوة، لا من حيث جنسه، بل من جهة الحكم وأمر يقتضيه، وهو ما يجده الذائق في نفسه من اللذة إذا صادفت بحاسة الذوق ما يميل إليه الطبع، فالسامع يجد عند وقوع اللفظ في سمعه حالة شبهة بالحالة التي يجدها الذائق للحلاوة من العسل - والشبه العقلي قد ينتزع من شيء واحد - كما رأيت من انتزاع الشبه للفظ من الحلاوة - وقد ينتزع من أمور عدة يجمع بعضها إلى بعض، ثم يستخرج من مجموعها الشبه كما في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً}، فالشبه منتزع من أحوال الحمار وهو أنه يحمل الأسفار التي هي أوعية العلوم ومستودع ثمر العقول، ثم لا يحس بما فيها، ولا يشعر بمضمونها، ولا يفرق بينها وبين سائر الأحمال التي ليست من العلم في شيء، فليس له مما يحمل حظ سوى أنه يقل عليه، فالشبه - كما ترى مقتضى أمور مجموعة ونتيجة لأشياء ألفت وفرق بعضها إلى بعض وقد يجئ الشبه معقوداً على أمرين منفصلين، كما في قولهم (هو يصفو ويكدر) لأنهم أرادوا أن يجمعوا له الصفتين، لا يريدون أن احدهما ممتزجة بالأخرى.